اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

حرب إيران الكبرى.. سقوط المشروع الأميركي وصعود الردع الصاروخي

إيران
إيران

رغم الخسائر التي تكبدتها إيران خلال الحرب الأخيرة، فإن معايير التقييم الاستراتيجي لا تُقاس فقط بحجم الدمار أو عدد الضحايا، بل ترتكز على النتائج السياسية والعسكرية طويلة الأمد. الهدف الحقيقي الذي كانت تسعى إليه واشنطن، بحسب ما تشير إليه المؤشرات، لم يكن مجرد إنهاك إيران عسكريًا، بل كان تغيير النظام السياسي بالكامل. المشروع الأميركي كان يسعى لإسقاط نظام "آيات الله" وإقامة سلطة موالية لواشنطن، متحالفة مع إسرائيل، تُعيد رسم خارطة النفوذ في هذه المنطقة الحيوية للغرب.


مكاسب النظام الإيراني


لكن المفارقة أن الحرب، بدلًا من أن تُضعف النظام الإيراني، زادت من صلابته. وها هو الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يترقب لقاءً مع القيادة الإيرانية في الأيام المقبلة، في إشارة إلى فشل رهان الحسم العسكري وعودة أدوات السياسة والدبلوماسية إلى الواجهة.
من الناحية العسكرية، شكلت الحرب منعطفًا تقنيًا واستراتيجيًا. فقد خاضت إيران الصراع معتمدة على ترسانة صاروخية محلية الصنع، أثبتت جدارتها في فرض "موازنة ردع" جديدة مع إسرائيل. لقد دخلت أنواع جديدة من الصواريخ، لا سيما الباليستية والفرط صوتية، إلى ميدان المواجهة، وكانت لها فعالية تدميرية ميدانية واضحة، تجلت في مئات البنايات التي دُمرت داخل العمق الإسرائيلي.


الصواريخ الإيرانية التي تصل إلى أهدافها خلال 8 دقائق فقط، برهنت على أن التفوق الجوي الإسرائيلي، المدعوم بأحدث المقاتلات الأميركية والتكنولوجيا المتقدمة، لم يعد ورقة ضمان مطلقة. هذا التحول فرض معادلة "الكلفة والفعالية": فالصواريخ تُنتج محليًا، رخيصة نسبيًا، ويمكنها الوصول إلى العمق دون الحاجة إلى سيطرة جوية. إنها حرب تكنولوجيا بقدر ما هي حرب إرادات.

تماسك وطني


أما داخليًا، فقد حققت إيران تماسكًا وطنيًا غير مسبوق. فالمعارضة الإيرانية، سواء في الداخل أو الخارج، التفت خلف الدولة في مواجهة العدو المشترك. وعلى الرغم من التعدد القومي داخل إيران، حيث يشكل الفرس أقل من 35% من السكان، فإن مكونات المجتمع الإيراني – الفرس، الأكراد، الآذريين، العرب، البلوش – توحدت تحت راية المقاومة. أما على الصعيد الديني، فقد كان المشهد لافتًا؛ فالسنة والشيعة، الإيرانيون بمختلف مذاهبهم، اجتمعوا خلف شعار: "هذه أمتكم أمة واحدة".


من الدروس الكبرى التي خلصت إليها هذه الحرب، أن الاستقلال العسكري الحقيقي لا يتحقق بالاستيراد، بل بالإنتاج الذاتي للسلاح. لقد أكدت إيران من خلال هذه المواجهة أنها لن تُهزم ما دامت قادرة على تصنيع سلاحها، وفرض معادلاتها، والالتفاف الداخلي حول مشروعها.
إن فشل مشروع تغيير النظام، وبروز موازين ردع جديدة، ووحدة الداخل الإيراني، تعني أن هذه الحرب، رغم تكلفتها، أعادت صياغة المشهد الإقليمي، ومنحت طهران موقعًا تفاوضيًا أقوى في أي ترتيبات قادمة.