وزير العدل قائمًا بأعماله.. ماذا يخفي نتنياهو عن حالته الصحية؟

في توقيت سياسي وأمني بالغ الحساسية، تطفو على السطح مجددًا تساؤلات جدية حول الوضع الصحي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد الإعلان المفاجئ عن خضوعه لإجراء طبي "روتيني" فجر الجمعة، دون أي إيضاحات رسمية مسبقة، ما أشعل موجة جديدة من الجدل الإعلامي والسياسي داخل إسرائيل، وأعاد إلى الواجهة أزمة الشفافية في مؤسسة الحكم.
ورغم أن البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء حاول التقليل من أهمية الحدث، مشيرًا إلى أنه "فحص روتيني"، فإن السياق المحيط به يكشف ما هو أبعد من ذلك. فعدم إبلاغ الوزراء بطبيعة الفحص أو توقيته، وضرورة توزيع صلاحيات نتنياهو مؤقتًا على وزير العدل ياريف ليفين ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، يشير إلى أن المسألة لم تكن مجرد إجراء روتيني كما زُعِم.
هذا الصمت الرسمي أثار حفيظة الصحافة الإسرائيلية، خصوصًا مع تسريبات كشفت أن الإجراء الطبي قد يكون أعقد مما أُعلن. صحيفة يديعوت أحرونوت تساءلت صراحة: "لماذا لم يُطلع نتنياهو حتى وزراء حكومته على طبيعة فحصه؟"، معتبرة أن الأمر يتجاوز مجرد الخصوصية الطبية إلى مسألة تتعلق بالحق العام في المعرفة، خصوصًا إذا كان رئيس الحكومة غير قادر مؤقتًا على أداء مهامه.
تكرار العمليات والإشارات المقلقة
ليست هذه الحادثة الأولى التي تُثير القلق بشأن صحة نتنياهو. ففي أقل من عام، خضع الرجل البالغ من العمر 75 عامًا لثلاث عمليات جراحية مؤثرة:
استئصال للبروستاتا نتيجة التهاب حاد،
عملية لزرع جهاز لتنظيم ضربات القلب، وجراحة لعلاج الفتق.
كما سبق ذلك نقله المفاجئ إلى مستشفى شيبا في يوليو 2023 بعد تعرضه لنوبة دوار عقب تمضية وقت في بحيرة طبريا، وهو ما أطلق حينها موجة أولى من التكهنات.
ورغم كل هذه الوقائع، لا تزال البيانات الطبية الرسمية شحيحة، ومكتبه يكتفي بتقارير عامة تؤكد "استقرار حالته الصحية" دون أي تفاصيل دقيقة أو شفافية حقيقية، بعكس ما هو متعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية الغربية.
تضارب مصالح وغياب الرقابة
المثير للقلق أن الطبيب المسؤول عن مراقبة حالة نتنياهو هو د. زفيكا بيركوفيتش، أحد أصدقائه المقربين، مما أثار انتقادات واسعة بشأن احتمال تضارب المصالح في إدارة الملف الطبي لرئيس الوزراء.
ويكرّس هذا الوضع حالة من التعتيم المؤسسي، حيث تعتمد إسرائيل على "إجراء داخلي" صدر عام 2007 بشأن نشر المعلومات الطبية لقادة الدولة، لكنه لا يُلزم بالكشف التفصيلي كما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث تُنشر تقارير طبية دورية ومفصلة عن الرئيس ونائبه.
أزمة الثقة والشرعية
تتزامن هذه التطورات مع أزمة شرعية متواصلة يعاني منها نتنياهو، حيث يواجه اتهامات فساد ومحاكمات مستمرة، فضلًا عن إدارة حرب غزة بقرارات مثيرة للجدل داخليًا وخارجيًا. ومع تدهور صورته أمام الرأي العام الإسرائيلي، يصبح أي غموض حول وضعه الصحي مدخلًا جديدًا لتآكل الثقة الشعبية.
ويجد نتنياهو نفسه الآن أمام تحدٍّ مزدوج: الحفاظ على أدائه السياسي كرئيس لحكومة في حالة حرب، وإثبات أهليته الصحية لهذا المنصب وسط مطالب متزايدة بالمكاشفة.
الصمت الرسمي، وتوزيع الصلاحيات، وسجلّ العمليات الجراحية المتكررة، كلها مؤشرات على أن ما يُعرض للجمهور ليس إلا رأس جبل الجليد في ملف صحي بالغ الحساسية. ومع اقتراب نتنياهو من إكمال عامه الـ75، قد تصبح هذه الأزمة الصحية -لا الأمنية ولا القضائية- هي الأكثر تهديدًا لبقائه السياسي.