النهضة في تونس.. منبوذة سياسياً وغياب مستمر عن المشهد
سجلت حركة النهضة الإخوانية غياباً ملحوظاً عن الساحة السياسية في تونس في الآونة الأخيرة، وذلك بسبب النفور الشعبي والتوترات الداخلية التي تعيشها الحركة. ووفقاً للمراقبين، فإن الحركة، التي لطخت تاريخها بالدماء والعنف، لم تتمكن من استعادة مكانتها السياسية ولا من إقامة تحالفات فعّالة مع المعارضة في البلاد.
وفي هذا السياق، صرح القيادي بحركة النهضة وعضو مجلس الشورى بلقاسم حسن في تصريح إعلامي يوم الأربعاء الماضي، بأن الخلافات الأيديولوجية والسياسية داخل الحركة لا تزال سمة بارزة على علاقاتها، ما أدى إلى تصاعد التوترات والصراعات الحادة بين الأعضاء، فضلاً عن ظهور ظواهر الإقصاء والاستئصال داخل الحركة نفسها. وأوضح حسن أن هذه التباينات الداخلية جعلت الحركة تفشل في توحيد صفوفها، وهو ما يعكس عجزها عن استعادة مكانتها في الحياة السياسية التونسية.
من جانبه، قال الناشط والمحلل السياسي عبدالكريم المحمودي إن حركة النهضة لم تختفِ بشكل كامل عن المشهد السياسي التونسي، لكنها اختارت العودة إلى العمل في السرية، وهو الأسلوب الذي اعتمدته الحركة في بداية التسعينيات من القرن الماضي عندما كانت تواجه تضييقاً من النظام السابق برئاسة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. وأوضح المحمودي في تصريحات صحفية أن الحركة تمر في مرحلة من أضعف مراحلها السياسية، حيث لم يعد الشارع التونسي يستجيب لدعواتها أو تحركاتها، إضافة إلى أن رصيدها الانتخابي آخذ في التآكل بشكل متسارع. واعتبر المحمودي أن هذا التراجع الكبير في الدعم الشعبي يشير إلى انحسار تأثير الحركة في السياسة التونسية.
وأضاف المحمودي أن حركة النهضة لا تزال تعمل بشكل غير علني على تأجيج الأوضاع في البلاد، وهي تنتظر الفرصة المناسبة، خصوصاً في شهر يناير المقبل، الذي يُعرف تاريخياً في تونس بأنه شهر الحراك والاحتجاجات الاجتماعية. وأشار إلى أن الحركة تأمل في استعادة قوتها عبر التأثير في الشارع التونسي خلال تلك الفترة، لكن يبقى السؤال قائماً: هل ستتمكن من الاستمرار في هذا المسار أم ستضطر للاستسلام في مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها؟
وفي سياق متصل، قال الناشط والمحلل السياسي التونسي نبيل غواري إن حركة النهضة أصبحت "منبوذة سياسياً" بعد أن تم سجن قياداتها البارزة، الأمر الذي جعلها غير قادرة على تعبئة الشارع التونسي أو على التأثير في الساحة السياسية بشكل فعّال. وأوضح غواري في تصريحات صحفية أن الحركة اختفت من المشهد السياسي بمجرد أن تم سجن كبار قادتها، وهو ما أظهر عجزها عن تقديم قيادة بديلة يمكن أن تواصل النشاط السياسي للحركة. وأضاف أن غياب الديمقراطية الداخلية في الحركة، التي كانت تضمن التداول السلمي على القيادة، ساهم بشكل كبير في تراجعها السياسي وفشلها في الاستمرار.
وأكد غواري أن الحركة لم تتمكن من استعادة موقعها في جبهة المعارضة التي تشكلت مؤخراً، مشيراً إلى أن الأحزاب التقدمية واليسارية في تونس ترفض التعاون مع حركة النهضة، بسبب ارتباطها بالإرهاب والاغتيالات، وهو ما جعلها طرفاً غير مرغوب فيه لدى هذه القوى السياسية.
وفي 27 أكتوبر من العام الجاري، أعلن عدد من القوى السياسية التونسية عن تشكيل منتدى "القوى الديمقراطية"، وهو ائتلاف حزبي يضم الأحزاب الديمقراطية والتقدمية في تونس، مع رفض انضمام أي أحزاب إخوانية إلى هذا التحالف. وكان هذا الإعلان بمثابة تأكيد آخر على عزلة حركة النهضة وتراجع دورها في الحياة السياسية التونسية.
وبينما تواصل حركة النهضة محاولاتها للبقاء في الساحة السياسية، يبقى موقفها ضعيفاً للغاية في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها، فضلاً عن العزلة التي تعيشها داخل المشهد السياسي التونسي.