اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

ترامب يخلط أوراق غزة ومحاكمة نتنياهو.. مفاوضات السلام رهينة الحسابات السياسية الأميركية والإسرائيلية

ترامب
محمود المصري -

في خضم التصعيد المستمر في قطاع غزة والمواجهة الإقليمية الأوسع بين إسرائيل وإيران، دخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خط الأزمة بطرح مزدوج يجمع بين الدعوة إلى إبرام "صفقة غزة" من جهة، والمطالبة بإلغاء محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من جهة أخرى، في خطوة تكشف عن تداخل السياسة الداخلية الإسرائيلية بالأجندة الإقليمية، وارتباطها بمصالح ترامب الانتخابية.

منشور واحد.. رسائل متعددة

ترامب كتب على منصته "تروث سوشيال" دعوة مباشرة لإتمام صفقة تنهي الحرب في غزة وتُعيد المحتجزين الإسرائيليين. لكنه ربط بين هذا الهدف وبين ما وصفه بضرورة تمكين نتنياهو من التفاوض مع "حماس" دون عوائق، في إشارة إلى القضايا القضائية التي يواجهها الأخير داخل إسرائيل. هذا الربط السياسي بين ملفات العدالة الإسرائيلية وملف التهدئة في غزة يُعد خلطاً غير مسبوق بين القضائي والدبلوماسي.

مقايضة العدالة بالسلام؟

أخطر ما في خطاب ترامب هو تلميحه بأن المحاكمات الجارية ضد نتنياهو تمثل عقبة أمام أي مفاوضات مع "العدو"، بل وذهب إلى أبعد من ذلك بالقول إن "النصر" الذي تحقق عبر قصف المنشآت النووية الإيرانية "يتشوه" بسبب هذه المحاكمات، داعياً إلى "ترك بيبي يعمل". هذا الخطاب يضع أي مسار تفاوضي مستقبلي مع الفصائل الفلسطينية أو إيران في مأزق أخلاقي وسياسي، لأنه يربطه بمصير شخصي لرئيس وزراء متهم في قضايا فساد.

جهود أميركية.. ولكن بقيادة ترامب؟

اللافت أن ترامب يتحدث وكأن إدارته هي من تقود عملية الوساطة، رغم أنه خارج البيت الأبيض. في الوقت ذاته، تُشير تسريبات إلى دور فعّال للمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف في التفاوض غير المباشر بين حماس وإسرائيل، بوساطة مصرية وقطرية. خطة ويتكوف، بحسب المصادر، اصطدمت بثلاث عقبات: وقف إطلاق النار أثناء المفاوضات، إدخال المساعدات، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المواقع التي احتلتها منذ مارس. لكن واشنطن أدخلت "تعديلات طفيفة" في محاولة لتليين المواقف.

هنا يبرز سؤال: هل يسعى ترامب للظهور بمظهر "صانع الصفقة" قبيل الانتخابات الرئاسية، أم أنه يناور لاستعادة زمام المبادرة في السياسة الخارجية عبر ملف شعبي في الداخل الأميركي؟

البعد الإيديولوجي والديني في خطابه

رسالة ترامب التي وجهها إلى مبعوثي حركة "حاباد" اليهودية في ذكرى وفاة الحاخام لوبافيتشر، لم تكن مجرد مجاملة رمزية، بل كانت توظيفاً إيديولوجياً لدعم سرديته السياسية. إذ أعاد التأكيد على التزامه بمحاربة "معاداة السامية"، وربط بين رؤيته للسلام وبين تعاليم دينية. هذا الخطاب الممزوج بالدين والقوة يلقى رواجاً في بعض الأوساط الأميركية المؤيدة لإسرائيل، لكنه يُعمق الفجوة بين ترامب وشرائح أخرى ترى في هذا الاستخدام استغلالاً سياسياً للإيمان الديني.

السلام كرهينة للمصالح السياسية

تصريحات ترامب تضعنا أمام مشهد معقد: مفاوضات حساسة تحاول فك عقد حرب غزة، تتقاطع مع حملة انتخابية أميركية، وأزمة سياسية داخل إسرائيل. الربط بين كل هذه الملفات، كما يفعل ترامب، يُدخل السلام الهش في غزة ضمن لعبة مصالح ضيقة، تتجاوز هموم سكان القطاع ومعاناتهم.

إذا نجحت الجهود الأميركية في إبرام اتفاق تهدئة خلال الأسبوع المقبل كما توقّع ترامب، فسيُطرح سؤال جوهري: هل تحقق السلام بفعل الواقعية السياسية أم بسبب الصفقات الظلّية؟

وفي حال فشل التوصل إلى اتفاق، فإن تدخل ترامب قد يُنظر إليه كمحاولة لخلط الأوراق لا أكثر، فيما يبقى المدنيون الفلسطينيون في غزة وحدهم يدفعون ثمن الحسابات السياسية بين واشنطن وتل أبيب.