اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

قمة لاهاي.. الناتو بين ضغوط ترامب وتهديدات روسيا

قمة لاهاي
محمود المصري -

اجتمع قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في لاهاي في لحظة دقيقة تُختبر فيها ليس فقط توازنات السياسة الدفاعية، بل أيضًا صلابة الحلف أمام الضغوط الأميركية والتهديدات الجيوسياسية المستجدة. فالقمة التي رُتبت على وقع مطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كشفت حجم التوترات داخل الناتو حول قضية تمويل الدفاع الجماعي، ووضعت العديد من الدول الأوروبية أمام معادلة صعبة: بين الالتزام السياسي والمقدرة الاقتصادية.


رفع سقف الإنفاق: من 2% إلى 5%


أبرز ملفات القمة كان مشروع رفع هدف الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة عضو، وهو تصعيد مالي غير مسبوق مقارنةً بالهدف السابق البالغ 2%. هذا القرار جاء استجابة مباشرة لضغوط ترامب، في وقت تتزايد فيه المخاوف الأوروبية من تهديد روسي مباشر، خاصة بعد غزو أوكرانيا عام 2022، وتنامي التنسيق الروسي مع الصين، كوريا الشمالية، وإيران.
مارك روته، الأمين العام للحلف، وصف الخطوة بأنها ضرورة لا بديل عنها، مشيراً إلى أن "الإنفاق الدفاعي بات واجباً وجودياً" في ضوء التحديات المعقدة التي تواجهها أوروبا، من روسيا إلى الأمن السيبراني والبنية التحتية الحيوية.


تمرد هادئ من بعض الحلفاء


لكن طريق الإجماع لم يكن سهلاً. إسبانيا وبلجيكا أعلنتا رسميًا عدم قدرتهما على بلوغ الهدف بحلول عام 2035. أما سلوفاكيا، فذهبت أبعد من ذلك وأكدت "احتفاظها بحقها في تحديد حجم إنفاقها الدفاعي بشكل سيادي"، ما يعكس رفضًا ضمنيًا للضغوط الأميركية.
وزير الاقتصاد الإسباني، كارلوس كويربو، أصر على أن بلاده تظل "حليفاً مسؤولاً"، مؤكدًا أن الالتزام بالقدرات العسكرية لا يتطلب بالضرورة رفع النفقات إلى 5%. أما رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز، فأعلن رسميًا أن سقف بلاده سيكون عند 2.1%، وهو ما قد يُفهم على أنه محاولة لخلق نموذج بديل للامتثال داخل الحلف.

تفاوت في الاستجابة


في المقابل، بادرت دول شرق أوروبا، وخاصة بولندا ودول البلطيق، إلى الالتزام بالهدف الجديد، انسجامًا مع موقعها الجغرافي على خطوط التماس مع روسيا. كذلك دعمت بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، وهولندا الخطة الجديدة، ما يعكس انقساماً صريحاً داخل الحلف بين دول "الخط الأمامي" والدول الواقعة في الظل الاستراتيجي.


ترامب: من ضغوط إلى تهديدات


دونالد ترامب، الذي كان حاضراً في الخلفية أكثر من كونه مشاركاً فاعلاً، واصل سياسة العصا الغليظة تجاه الحلفاء الأوروبيين. فبينما وصف إسبانيا بأنها "مشكلة"، انتقد كندا كذلك بسبب "ضعف مساهمتها". في سابقة مقلقة، تهرّب ترامب من تجديد الالتزام بالمادة الخامسة الخاصة بالدفاع المشترك، قائلاً إن لها "تفسيرات عديدة"، ما أثار مجدداً تساؤلات حول مدى جدية الالتزام الأميركي بأمن الحلف.
اللافت أن القمة الحالية سعت جاهدة لتفادي تكرار مشهد قمة 2018 التي انهارت بسبب خلافات حادة حول الإنفاق الدفاعي، وهو ما انعكس في أسلوب روته الذي حافظ على نبرة توافقية، وحرص على أن يكون البيان الختامي "موجزاً ومركزاً"، موجهًا في معظمه نحو تهدئة ترامب أكثر من مناقشة الخلافات الفعلية.


أوكرانيا خارج الصورة


في مؤشر آخر على انزياح أولويات الحلف، غاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن الجلسات الرسمية، واكتُفي بمنحه مقعداً في العشاء التحضيري فقط. ومع أن ترامب لم يستبعد لقاءً ثنائيًا معه، فإن استبعاده من الجلسة الرئيسية يعكس تراجع دعم بعض أعضاء الحلف لأوكرانيا، خصوصاً في ظل موقف ترامب الميال إلى تقليص المساعدات لكييف.


القمة لم تنعقد بمعزل عن السياق العالمي المتوتر. فالغارات الأميركية على منشآت إيرانية نووية، والتصعيد بين إسرائيل وإيران، وتورط بكين وبيونغ يانغ بدعم روسيا في أوكرانيا، كلّها ملفات طرحت نفسها بقوة على الطاولة، وإن لم تُذكر صراحة في البيان الرسمي. فالحلف اليوم لم يعد يواجه روسيا فقط، بل شبكة تهديدات دولية متشابكة تفرض عليه توسيع تعريف الأمن الجماعي ليشمل الأمن السيبراني، حماية الطاقة، والتحضير لنقل القوات عبر أراضٍ حليفة بسرعة وفعالية.