اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

د. محمد جاد الزغبي يكتب: إيران وضربة (الغشيم)

د.محمد جاد الزغبي
-

تابعنا جميعا هذا الحدث المنفرد من ضربة إسرائيل الكبرى تجاه إيران، وهي حدث منفرد قطعا لأن أي دارس للشأن الإيراني يعلم جيدا قيمة التحالف الغربي الإيراني الذي انتقل من حكومة الشاه رضا بهلوي إلى حكومة الخميني منذ عهد ريجان.

وكان آخر تتويج لهذا التحالف هو تعاونهم الوثيق في حرب العراق حيث ورث الأمريكيون والإيرانيون والإسرائيليون مكان ومكانة العراق منذ عام 2003

وقد تضعضع هذا التحالف تحديدا منذ عام 2012 عندما دخلت إيران بثقلها خلف نظام الأسد ودخل الأوربيون ثم الولايات المتحدة ضد النظام وتطورت الحوادث بعد ذلك لتفقد إيران جزء ضخما من قوتها العسكرية والمادية واللوجستية في حرب سوريا.

ثم دخل العالم كله في حالة انهيار متذبذب منذ حرب روسيا وأوكرانيا وبعدها طوفان الأقصى ثم مجئ ترامب بسياسته العشوائية

ليصبح النظام العالمي منذ خمس سنوات وحتى اليوم عبارة عن جبلاية قرود حرفيا!

فقد انهارت سائر السياسات ونظم التحالف التي حكمت العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وأصبح التخبط هو سيد الموقف ولم تعد هناك حروب تحالف قائمة على الاتفاقيات المألوفة فتخلت أوربا عن أوكرانيا وتخلت الولايات المتحدة عن أوربا وسكتت روسيا والصين عن أحداث الشرق الأوسط!

وهذا وضع غير مسبوق من حيث التفكك الكامل الذي ارتفع فيه شعار (أنا ومن بعدي الطوفان) وأصبح أقصى تعاون بين الحلفاء هو الدعم اللوجيستي أو المادي.

في ظل هذا الوضع كانت إسرائيل –كعادتها- محتفظة باستراتيجية لا تحيد عنها وهي التحسب لأي حالة فوضى تهدد أمنها وتستعد للتصرف منفردة إذا لزم الأمر، ولديها الاستعداد لخيار النووي عند الحاجة الفعلية وهو خيار شمشون كما سماه (سيمور هيرش)

وعندما انطلقت أحداث طوفان الأقصى وكشفت عن خطر داهم في عدم توقع إسرائيل لتلك العملية وتعرضها لأول مرة لمثل هذا الاختراق.

هنا اتخذ نتنياهو خيار طرح الثوابت السياسية القديمة التي كانت تضمنها له الولايات المتحدة ومنها ضمانها لمحدودية تأثير إيران وحزب الله.

لهذا بادرت إسرائيل لمحاولة تحطيم القدرة النووية الإيرانية –رغم استحالة استخدام إيران لها ضد إسرائيل- إلا أن الرعب الإسرائيلي عندما ينفجر فهو لا يضع احتمالا لأي اطمئنان دبلوماسي.

ونظرا لأن إسرائيل كانت مستعدة منذ أكثر من ثلاثين عاما لمراقبة النشاط الإيراني ونجحت فعلا في اختراق إيران عسكريا ومخابراتيا.

هنا جاءت ضربتها الأخيرة كأول ضربة حقيقية من إسرائيل تجاه إيران، ضربة فعلية وليست استعراضا أو مناوشة معهودة ومحكومة كما هو الحال مع مواجهاتهما التقليدية.

وكانت الصدمة الإيرانية من الضربة متمثلة في كارثتين:

أولهما:

تحييد إسرائيل للدفاع الجوي الإيراني بالكامل

ثانيهما:

اختراق الموساد لأدق الملفات الاستراتيجية في إيران ووصولهم إلى قلب مقار إقامة قيادات الجيش الرئيسية وقيادات المشروع النووي فضلا على مباني المشروع نفسه!

ورغم النجاح الإسرائيلي الساحق في الضربة إلا أن هذا النجاح سيجلب لها ما لا تتوقعه من إيران.

وهو ما يمكن أن نسميه (ضربة الغشيم)

فالرئيس الإيراني السابق (أحمدي نجاد) قال بعد الضربة أن إسرائيل اخترقت دوائر المخابرات الإيرانية حتى النخاع وعدد الخونة لا يمكن تقديره داخل إيران.

ولهذا فإن أصحاب القرار في إيران لن تجد منهم واحدا يطالب القيادة الإيرانية بمحاولة التعقل أو احتساب عواقب الرد العنيف أو حتى الرد بهدوء أو قبول المفاوضات!

لماذا؟!

ببساطة لأن الضربة الإسرائيلية كشفت للقيادات الإيرانية أن حجم الاختراق مهول، وبالتالي لن يجرؤ أي قائد أو مستشار سياسي إيراني أن يطالب باستخدام حل ديبلوماسي أو متعقل خشية أن يتم اتهامه بالخيانة والتواطؤ أو على الأقل وضعه في دوائر الشبهات!

وعليه ستكون الردود الإيرانية من نوعية (ضربة الغشيم) بمعنى أن إيران لجأت وستلجأ بالفعل للرد العشوائي السريع والمفرط وعامل السرعة هو ما سيدفعها للإغراق في الرد وضرب الأهداف دون خطة واضحة

فالمطلوب الآن سيكون ضرب الداخل الإسرائيلي بأي شكل ودون خطة مسبقة متأنية تستهدف أهدافا بعينها

لأن إيران الآن أشبه بغوريلا تلقت ضربة عنيفة فجرت عيونها فصارت عمياء وبالتالي تفجر غضبها وانطلقت عضلاتها للتلويح والضرب بغض النظر عن الأهداف.

والأيام القادمة لا تحمل إلا احتمالا من اثنين:

الأول:

أن تتدخل السياسة الأمريكية وغيرها لإدراك الوضع ومنع تفاقم الأمر.

الثاني:

أن تتسبب الضربات العشوائية القوية في إصابة أهداف رئيسية وقاتلة داخل إسرائيل مما يعني زيادة وتيرة التوتر للحرب الشاملة

ونحن نسأل الله تعالى أن يوفق ضربات الإيرانيين للحد الأقصى إن شاء الله