اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

ضربات مركّزة في قلب طهران.. رسالة ردع إقليمي أم انفلات دولي؟

إيران
محمود المصري -

في سياق إقليمي متوتر، جاء استهداف عدد من أبرز الشخصيات الإيرانية ليطرح أسئلة جوهرية حول توقيته، وطبيعة الرسائل الكامنة خلفه، وأثره على الاستقرار الإقليمي، وتوازنات القوى الدولية. ولعل تفكيك المشهد يتطلب التوقف أمام عدة محاور حاكمة:

دلالة الأسماء المستهدفة

الضربات لم تكن عشوائية، بل استهدفت شخصيات تمثل "عقد الوصل" بين المستويات الأمنية، والعسكرية، والعلمية في الدولة الإيرانية، وهم:
اللواء حسين سلامي: القائد العام للحرس الثوري الإيراني، العقل المدبر لتوسيع النفوذ الإيراني خارج الحدود، من العراق إلى اليمن.


اللواء غلام علي رشيد: قائد مقر "خاتم الأنبياء"، مسؤول عن التخطيط العسكري الاستراتيجي، وهو بمثابة "العقل التنفيذي" للردع الإيراني.


الدكتور محمد مهدي طهرانجي: أحد أبرز علماء إيران النوويين، وشخصية أكاديمية تمثل الجسر بين الجامعات والمؤسسات النووية الحساسة.


فريدون عباسي: سياسي نووي بارز، تولى رئاسة منظمة الطاقة الذرية، ويمثل "الواجهة المدنية" للبرنامج النووي الإيراني.


إن استهداف هذه الأسماء هو استهداف لعناصر العمود الفقري الذي يدعم النفوذ الإيراني، داخليًا وخارجيًا، ويرسل رسالة قاسية للمنظومة: "لا أحد في مأمن، حتى داخل النخبة".

التداعيات على استقرار الشرق الأوسط

رغم أن الضربات لا تشير إلى نية لخوض حرب إقليمية شاملة، إلا أنها تُبقي جذوة التوتر مشتعلة، وتضع المنطقة على صفيح ساخن.

تنعكس هذه العمليات سلبًا على دول ذات هشاشة أمنية مزمنة مثل العراق، سوريا، لبنان، واليمن، حيث تتمدد أذرع إيران.

توقيت الضربات جاء في ذروة الجمود النووي، ما يغلق أبواب العودة إلى طاولة المفاوضات، ويزيد من احتمالات التصعيد بالوكالة.

أما رد طهران، فرغم التهديدات، يبقى مرهونًا بمزيج معقد من الحسابات الدولية والإقليمية. إيران تدرك أن أي رد مباشر سيجلب تداعيات أوسع، ولذلك قد تختار تطوير أذرعها غير المباشرة – وهنا يكمن الخطر على عدد من العواصم العربية.

خريطة اللاعبين الدوليين ومصالحهم المتقاطعة

الولايات المتحدة: تعتمد مقاربة مزدوجة تقوم على الضغط والدبلوماسية، لا لتدمير إيران بل لتغيير بنيتها السياسية. جوهر السياسة الأمريكية هو احتواء طهران لا إسقاطها.


روسيا: شريك تكتيكي لإيران، لكن دعمها له حدود. تستثمر في التوتر لتشتيت تركيز الغرب في ملفات أوكرانيا والناتو، دون أن تنخرط بشكل مباشر.

الصين: لا ترغب في صراع مفتوح. مصالحها مرتبطة باستقرار تدفقات الطاقة. أي اضطراب يضر بمبادراتها التجارية العابرة للقارات.

أوروبا: تفتقد القدرة على التأثير الفعّال، بعد أن أضعفها تفكك الناتو وصداماتها المتكررة مع إدارة ترامب. تسعى وراء إعادة إحياء الاتفاق النووي، ولكنها تبدو كـ"ظلّ سياسي" أكثر منها فاعل.


الأمم المتحدة: باتت عاجزة بفعل الانقسامات الكبرى، وتحولت مؤسساتها، خصوصًا مجلس الأمن، إلى ساحة تعطيل بفعل الفيتو المتبادل.

النظام الدولي.. تفكك الردع وتصاعد الفوضى

الصراع الراهن يعكس أزمة أعمق في بنية النظام الدولي نفسه:
عجز في فرض الردع الجماعي، مع غياب أي آلية فعالة لضبط الاشتباك أو معاقبة المتجاوزين.

تزايد التحركات الأحادية من القوى الإقليمية والدولية، ما يهدد بفقدان السيطرة على مسارات التصعيد.


غياب المساءلة والضمانات الأمنية المتبادلة، ما يدفع الأطراف نحو خيارات ميدانية لا تفاوضية.


الشرق الأوسط كساحة لتصفية الحسابات الكبرى

تُظهر هذه الضربة كيف تحوّل الشرق الأوسط إلى ميدان مفتوح لتصفية صراعات القوى الكبرى، وتبادل الرسائل غير المباشرة. المنطقة تتجه نحو فصل جديد من "الاضطراب المُدار"، حيث الحروب لا تُحسم، والمفاوضات لا تُنجز، والقوى الكبرى تستثمر في الأزمة لتعيد تموضعها دون خوض صراع مباشر.