اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الطلاب الصينيون في أميركا.. معركة التأشيرات بين الأمن القومي والحرب الباردة الأكاديمية

طلاب الصين
محمود المصري -

تعيش العلاقات الأكاديمية بين الصين والولايات المتحدة إحدى أكثر مراحلها توتراً منذ عقود، بعد إعلان الحكومة الأميركية عن نيتها إلغاء تأشيرات عدد غير محدد من الطلاب الصينيين الدارسين في جامعاتها، تحت ذريعة حماية الأمن القومي. وتُعد هذه الخطوة تصعيداً نوعياً في سياق أوسع من التوترات السياسية والاقتصادية، تجاوزت حرب الرسوم الجمركية إلى مواجهة ناعمة تمس البعد التعليمي والثقافي، الذي طالما شكل جسراً بين البلدين.

ملامح الأزمة

الذريعة الأمنية
تبرر الإدارة الأميركية القرار بوجود مخاوف من أن بعض الطلاب الصينيين متورطون في "نقل علوم حساسة" إلى بكين، خاصة في مجالات التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي، الفيزياء، وهندسة الحاسوب. وصرّح وزير الخارجية ماركو روبيو صراحة بأن السياسة الجديدة تندرج تحت شعار "أميركا أولاً، لا الصين"، مستهدفاً أي ارتباط محتمل بالحزب الشيوعي الصيني.

ردود الفعل الصينية


في المقابل، وصفت بكين الخطوة بأنها "هجوم على الحرية الأكاديمية"، واتهمت واشنطن بإطلاق ذرائع واهية، على غرار خطابها حول الفنتانيل والرسوم الجمركية. لكن اللافت أن الصين لم تطرح أي خطط بديلة واضحة لمعالجة مصير عشرات الآلاف من طلابها المتضررين.

مناخ من الخوف والقلق


يعيش الطلاب الصينيون، الذين يبلغ عددهم نحو 277 ألفاً في الولايات المتحدة، حالة من الترقب والقلق الوجودي، مع تهديدات حقيقية بالترحيل أو حرمانهم من استكمال دراستهم. بعضهم تحدث عن شعور "بالتهديد العرقي" و"التمييز"، معتبرين أنهم مستهدفون لا لشيء سوى أنهم صينيون.

غياب الشفافية الأميركية


لم تعلن وزارة الخارجية الأميركية بوضوح عن معايير التقييم أو المجالات الأكاديمية التي تعتبرها "حساسة"، ما فتح الباب واسعاً أمام التخمين والاضطراب، وجعل التخطيط للمستقبل الأكاديمي شبه مستحيل. المتحدثة باسم الوزارة امتنعت عن تقديم أي تفاصيل، في ظل صلاحيات تنفيذية مطلقة يتمتع بها الرئيس في قضايا منح أو سحب التأشيرات.

البعد السياسي الداخلي والخارجي
بحسب محللين، فإن هذه السياسة مرتبطة مباشرة بأجندة الضغط على الصين قبيل جولة مفاوضات تجارية حاسمة، كما أنها تأتي في سياق شدّ العصب القومي الأميركي في موسم انتخابي محتدم. ويبدو أن الطلاب الصينيين وقعوا ضحايا لصراع جيوسياسي لا علاقة لهم به، سوى أنهم ينتمون إلى "الدولة الخصم".

استهداف الجامعات ومراكز الفكر
شملت الإجراءات خفض التمويل الفيدرالي لبعض الجامعات الأميركية ومحاولات تقييد استقبالها للطلاب الأجانب. جامعة هارفارد كانت في صلب هذه المعركة، واتهمت صراحة بأنها "تغذي العنف وتتعاطف مع الحزب الشيوعي الصيني"، ما دفعها إلى اللجوء إلى القضاء.

رد فعل أكاديمي وأخلاقي
في خطابات التخرج ولقاءات الصحافة، أعرب عدد من الطلاب الصينيين عن أملهم في استمرار الحوار لا الطرد، وعن التزامهم بقيم التعليم والبحث بعيداً عن السياسة. وأشارت إحدى الطالبات إلى شعورها بـ"العجز الكامل" لعدم معرفتها بمعايير تصنيفها كمهددة أو لا، في ظل غموض رسمي.

أبعاد أعمق للأزمة

التعليم كأداة صراع
تُعد هذه الأزمة مثالاً واضحاً على توظيف التعليم العالي كأداة في لعبة النفوذ الدولي، حيث لم تعد الجامعات فضاءات معرفية مستقلة، بل ساحات اختبار للولاء الوطني والاصطفاف الجيوسياسي.

عنصرية مضمرة تحت عباءة الأمن
الخطاب الرسمي وإن لم يعلن ذلك صراحة، يحمل في طياته نزعة تمييزية تمس مبادئ العدالة الأكاديمية وحرية التبادل العلمي، ما يعيد إلى الأذهان سياسات الإقصاء في فترات الحرب الباردة.

تهديد للتنوع الثقافي في الجامعات
حرمان فئة كبيرة من الطلاب الدوليين، خاصة من دولة تمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ينعكس سلباً على التعددية والتنوع الذي طالما ميّز الجامعات الأميركية، وأثرى المناخ الأكاديمي العالمي.

إن قرار الولايات المتحدة بتقييد تأشيرات الطلاب الصينيين ليس مجرد مسألة هجرة أو تنظيم أكاديمي، بل هو فصل جديد من صراع أوسع بين قوتين عالميتين، تُستخدم فيه كل الأوراق الممكنة، بما فيها تأشيرات التعليم.
في هذا السياق، يتحول الطالب من دارس إلى "حصان طروادة"، وتُختزل العلاقات الثقافية في حسابات أمنية، لتغدو النتيجة خسارة مزدوجة للطرفين: تدهور في صورة أميركا كحاضنة للعلم، وتراجع لثقة الطلاب الصينيين في الغرب كمجال آمن للتعليم.