اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الضغوط تتصاعد.. واشنطن تستهدف شبكات تمويل إيرانية بعد تعثر المسار الدبلوماسي

إيران
محمود المصري -


في أحدث فصول التصعيد بين واشنطن وطهران، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، يوم الجمعة، فرض مجموعة جديدة من العقوبات استهدفت عشرات الأفراد والكيانات المرتبطة بإيران، في وقت تتعثر فيه المحادثات الرامية لإحياء الاتفاق النووي. وتشمل هذه العقوبات 10 أفراد و27 كياناً، من بينهم شركتان على الأقل على صلة مباشرة بشركة ناقلات النفط الوطنية الإيرانية، أحد أبرز أدوات النظام الإيراني في الالتفاف على الحصار الاقتصادي وتهريب النفط.

العقوبات الجديدة تأتي في إطار جهود وزارة الخزانة لتعطيل ما تصفه بـ"نظام الظل المصرفي" الذي تديره طهران، وهو بحسب الوزير سكوت بيسنت، "شريان حياة للنظام"، يُمكّنه من تحريك الأموال وغسلها خارج النظام المالي التقليدي، لتصل في النهاية إلى أذرعه السياسية والعسكرية داخل وخارج إيران.

وفي تطور موازٍ، استهدفت وزارة الخزانة شركات في الإمارات والصين تعمل كواجهات لتسهيل عمليات تصدير النفط الإيراني، ومن بينها شركة "شاندونج شوجوانج لوتشينج" الصينية. ويُعد هذا التصعيد مؤشراً على أن إدارة الرئيس الأميركي تعمل على تضييق الخناق على الإيرادات الحيوية التي تمول بها إيران حلفاءها الإقليميين، كـ«حزب الله» في لبنان و«الحوثيين» في اليمن.

الهدف سياسي أم تفاوضي؟

رغم اللهجة الصارمة التي تبنتها الخزانة الأميركية، فإن التوقيت يشي ببُعد تفاوضي لا يمكن تجاهله. فالعقوبات تأتي بينما تسعى واشنطن إلى التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع طهران، خلفاً لاتفاق 2015 الذي انسحب منه الرئيس الأسبق دونالد ترمب عام 2018.

لكن المفاوضات، التي استؤنفت مؤخراً بشكل غير مباشر عبر وسطاء أوروبيين، لا تزال عالقة في ملفات شائكة، أبرزها تخصيب اليورانيوم وآليات رفع العقوبات. إيران من جهتها، ترفض ما تصفه بـ"المطالب المتطرفة" من الجانب الأميركي، وتؤكد على أن مطلبها الأول هو رفع العقوبات بشكل فعلي وملموس، لا سيما تلك التي تؤثر على تعاملاتها المالية والمصرفية.

إيران: نطالب بالشفافية والضمانات

الناطق باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، قال بوضوح إن بلاده لم تلمس أي تغيير جوهري في موقف واشنطن، مشيراً إلى أن بلاده لن ترد إيجابياً على أي نص تفاوضي يتجاهل "الحقوق والمصالح المشروعة للشعب الإيراني". وشدد بقائي على أن طهران لا تثق بالوعود الأميركية، وتطالب بضمانات مكتوبة ومراقبة دولية، معتبراً أن كل تأجيل أو غموض في ملف العقوبات يمثل عائقاً أمام أي اتفاق ممكن.

الملف النووي: بين الشرعية والريبة

إيران تصرّ على سلمية برنامجها النووي وتؤكد استعدادها لإثبات ذلك عبر التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن في المقابل، تستمر أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية في التحذير من اقتراب طهران من العتبة النووية، وهو ما يبرر في نظر واشنطن استمرار الضغط الاقتصادي كوسيلة للردع.

وفي حين ترى إيران أن برنامجها يمثل حقاً سيادياً ضمن معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، تستخدم واشنطن هذا الملف كورقة ضغط مزدوجة: أولاً، لمنع امتلاك إيران لسلاح نووي، وثانياً، لتقييد قدرتها على تمويل أنشطة تعتبرها واشنطن مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط.

مأزق بلا مخرج واضح

العقوبات الجديدة، رغم شدتها، لا تختلف كثيراً عن حلقات سابقة من سياسة "الضغط الأقصى"، التي ثبت محدودية أثرها في تغيير سلوك طهران، لكنها بالمقابل ساهمت في تعقيد فرص الوصول إلى تسوية دبلوماسية.

ومع تعثر المفاوضات، وغياب الثقة المتبادلة، يبدو أن الطرفين يُراهنان على كسب الوقت أو على تغييرات سياسية في الداخل أو على الساحة الدولية. لكن حتى ذلك الحين، ستظل المنطقة تدفع ثمن هذا التجاذب المكلف، اقتصادياً وأمنياً، وسط غياب إرادة واضحة من الطرفين للتقدم نحو حل مستدام.