اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

عقوبات أميركية على قضاة المحكمة الجنائية.. صدام متجدد بين واشنطن والعدالة الدولية

المحكمة الدولية
محمود المصري -

في خطوة تعكس تصعيداً غير مسبوق في علاقة الولايات المتحدة بالمحكمة الجنائية الدولية، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس الخميس، فرض عقوبات على أربعة من قضاة المحكمة، في ما اعتُبر ردًا مباشرًا على تحركات المحكمة المتعلقة بتحقيقات في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها القوات الأميركية في أفغانستان، وإصدارها مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

العقوبات شملت أربعة قضاة بارزين:

سولومي بالونجي بوسا (أوغندا)

لوز ديل كارمن إيبانيز كارانزا (بيرو)

رين أديلايد صوفي ألابيني جانسو (بنين)

بيتي هوهلر (سلوفينيا)

وأعلن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أن هؤلاء القضاة "شاركوا فعلياً في أعمال غير مشروعة تستهدف الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل"، واصفاً المحكمة بأنها "مسيسة وتفتقر إلى الشرعية في ملاحقة المواطنين الأميركيين أو الإسرائيليين قضائيًا".
هذا التصعيد الأميركي يعيد إلى الواجهة الموقف التقليدي للولايات المتحدة من المحكمة الجنائية الدولية، التي لم تصادق أصلاً على "نظام روما الأساسي" المؤسس لها، وتعتبر أي ولاية قضائية تمس مواطنيها أو جنودها تعديًا على السيادة الوطنية.

الخطوة الأميركية جاءت في أعقاب إعلان المحكمة عزمها التحقيق في جرائم ارتكبت خلال النزاع الأفغاني، بينها ما يخص سلوك القوات الأميركية، وهو ما تعتبره واشنطن تهديدًا مباشراً لمكانتها الدولية ولدورها العسكري في مناطق النزاع. ويأتي القرار في توقيت حساس أيضًا بعد إصدار المحكمة مذكرة اعتقال بحق نتنياهو بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، ما أثار حفيظة واشنطن التي ترى في تلك الخطوة استهدافًا لحليفتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط.

في المقابل، ردت المحكمة الجنائية الدولية ببيان شديد اللهجة، اعتبرت فيه العقوبات محاولة واضحة لتقويض استقلالها، وأكدت دعمها الكامل لقضاتها، مشددة على استمرار عملها "بلا توقف"، في إشارة إلى تمسكها بولايتها الدولية وبالدور الذي أُسست من أجله في ملاحقة مرتكبي الجرائم الجسيمة حول العالم، بغض النظر عن جنسياتهم أو مواقعهم السياسية.

خلفيات النزاع

المواجهة بين المحكمة الجنائية الدولية والولايات المتحدة ليست جديدة، فقد بدأت منذ تأسيس المحكمة في عام 2002، حيث اعترضت إدارات أميركية متعاقبة على مبدأ إخضاع الجنود الأميركيين للمحاكمة من قبل محكمة دولية لا تخضع لسيطرة واشنطن. وبلغ هذا التوتر ذروته في عهد ترمب، الذي انسحب من عدد من الاتفاقيات الدولية، وفرض في 2020 عقوبات على المدعية العامة السابقة للمحكمة، فاتو بنسودا، ومسؤولين آخرين.

التحقيقات الأخيرة حول جرائم محتملة في أفغانستان وقطاع غزة شكّلت عامل ضغط إضافي، إذ باتت المحكمة تقترب من دوائر القوة السياسية والعسكرية في الغرب، وهو ما تعتبره واشنطن وإسرائيل تهديداً لأمنهما القومي وسابقة قد تستخدم ضد قادتهما في المستقبل.

تعكس العقوبات الأميركية ضد قضاة المحكمة الجنائية الدولية صراعًا عميقًا بين مبدأ العدالة الدولية ومفاهيم السيادة الوطنية، خاصة لدى القوى الكبرى. وبينما تسعى المحكمة إلى ترسيخ مبدأ "لا أحد فوق القانون"، تردّ واشنطن بالمواجهة والعقوبات كلما اقتربت يد العدالة الدولية من جنودها أو حلفائها، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل النظام القضائي الدولي ومدى قدرته على الاستقلالية والحياد في عالم تحكمه المصالح والنفوذ.