اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

رئيس مؤسسة غزة الإنسانية الجديد.. أمريكي داعم لإسرائيل

رئيس مؤسسة غزة الإنسانية
محمود المصري -

في مشهد يعكس عمق الأزمة الإنسانية والسياسية في قطاع غزة، أثار تعيين القس الإنجيلي الأمريكي جوني مور رئيسًا لمؤسسة "غزة الإنسانية" موجة من الجدل والانتقادات، وسط شكوك متزايدة حول حياد المنظمة ومصداقية عمليات توزيع المساعدات.

من منظمة إنسانية إلى أداة سياسية؟

تعيين مور يأتي في توقيت حساس، عقب استقالة المدير التنفيذي السابق جيك وود، الذي أشار صراحة إلى تعذر تنفيذ مهام المؤسسة في ظل غياب "الحياد والاستقلالية والنزاهة". تصريحه هذا أعاد تسليط الضوء على التسييس المتزايد لملف المساعدات في غزة، في وقتٍ يعيش فيه سكان القطاع واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخهم الحديث.

وود، وهو من الشخصيات المعروفة في مجال الإغاثة، تحدث بلغة صريحة عن تحول المؤسسة إلى ما يشبه الأداة في يد مشروع سياسي أوسع، لا سيما مع انخراط شخصيات ذات ارتباطات أيديولوجية وسياسية مباشرة، كما في حالة مور.

من هو جوني مور؟

مور ليس شخصية إنسانية تقليدية. فهو عضو في لجنة الحرية الدينية الأمريكية، ومؤسس لشركة "كايروس" للاستشارات التي تتخصص في التواصل مع الشرق الأوسط، وكان مستشارًا إنجيليًا للبيت الأبيض خلال ولاية دونالد ترامب، وأحد مهندسي الاتفاقات الإبراهيمية. كما أبدى في أكثر من مناسبة دعمه الصريح لسيطرة واشنطن على قطاع غزة، وزار إسرائيل خلال الحرب على غزة وخرج بتصريحات تتماهى مع الخطاب الإسرائيلي الرسمي.
تصريحاته العلنية التي وصف فيها تقارير استشهاد فلسطينيين أثناء توزيع المساعدات بأنها "أكاذيب ينشرها الإرهابيون" تعكس نزعة صدامية تتنافى مع أبسط قواعد العمل الإنساني المحايد، وتضع المؤسسة في موضع الخصم لا الوسيط.

ارتدادات التعيين.. فقدان الشركاء

تداعيات التعيين لم تتأخر. مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG)، وهي واحدة من أكبر شركات الاستشارات العالمية، أعلنت انسحابها من المشروع، بعدما كانت مسؤولة عن إدارة الجوانب اللوجستية. وفي بيان لها، أشارت إلى أن الخطط الأخيرة للمؤسسة "افتقدت دعم أصحاب المصلحة"، ما يُفهم منه فقدان المؤسسة لثقة الحلفاء الدوليين.

ردود دولية خافتة ومخاوف أممية

الأمم المتحدة، التي ترفض أصلًا التعاون مع "غزة الإنسانية"، قد تجد في تعيين مور دليلًا إضافيًا على مخاوفها. فالرجل لا يخفي ازدراءه للمنظمة الدولية، وكتب في 26 مايو منشورًا اتهمها فيه بأنها "فشلت وعمقت الكارثة". بل وذهب إلى حد اتهامها بـ"التواطؤ مع الأشرار الذين يسرقون المساعدات"، في إشارة لحركة حماس.
هذه التصريحات، إلى جانب رفضه الاعتراف بالانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين، تكرّس فكرة أن "مؤسسة غزة الإنسانية" تحولت إلى ذراع ناعمة في سياق سياسي أمريكي-إسرائيلي، تحت غطاء العمل الإغاثي.

مجزرة المساعدات.. الطابع الإنساني يتآكل

التقارير عن مجزرة إنسانية وقعت خلال توزيع المساعدات في غزة – وسقط فيها 27 شهيدًا وأكثر من 150 جريحًا – تضع "غزة الإنسانية" في مرمى الاتهام. فالمؤسسة التي من المفترض أن توفر الحماية والطعام للمدنيين أصبحت، بسبب انعدام الشفافية وسوء التنسيق، طرفًا في كارثة جديدة، بل ومصدرًا لتبرير العنف بدلًا من وقفه.

مجاعة غزة.. أرقام تتجاوز السياسة
في الخلفية، تستمر المأساة الكبرى. قطاع غزة يعاني من مجاعة حقيقية وأزمة إنسانية مركبة في ظل حصار خانق وعدوان مستمر منذ أكتوبر 2023. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، تجاوز عدد الشهداء 54,600، والجرحى 125,000، في حين تنفذ المواد الغذائية والطبية، وسط فوضى في آليات الإغاثة وتصاعد النزعة التسييسية للمساعدات.

الإغاثة كأداة نفوذ

تعيين جوني مور يعكس تحوّلًا جوهريًا في دور المنظمات الإنسانية في غزة، من أدوات لتخفيف المعاناة إلى وسائل ضغط ونفوذ سياسي. ويضع ذلك المنظمات الدولية أمام تحدٍ أخلاقي: هل يمكن السكوت على عسكرة المساعدات؟ وهل يصح تحويل آلام الناس إلى أوراق تفاوض جيوسياسية؟
بين الواقع الميداني المنكوب والقيادات القادمة من كواليس السياسة الأمريكية، تبقى غزة رهينة. لا فقط للحصار والقصف، بل أيضًا لما يمكن تسميته اليوم بـ"سياسات الإغاثة المشروطة".