اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

بين عناد بكين ومفاجآت ترامب.. حرب الرسوم الجمركية تشتعل

الرئيس الصيني ونظيره الأمريكي
محمود المصري -

تعود التوترات التجارية بين واشنطن وبكين إلى الواجهة مجددًا، بعد أن وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الصيني شي جين بينغ بـ"العنيد"، مشيرًا إلى صعوبة التوصل إلى صفقة تجارية معه، رغم إعرابه عن إعجابه الشخصي به. جاء هذا التصريح في منشور على منصته "تروث سوشيال"، ليعكس عمق الإحباط الأميركي من تعثّر المحادثات مع الصين رغم ما يبدو من بوادر انفتاح على التواصل المباشر.
هذه التصريحات جاءت بعد أيام قليلة من اتهامات متبادلة بين الطرفين بانتهاك اتفاق تجاري أُبرم في مايو الماضي، نصّ على تعليق الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة 90 يومًا. ورغم الترحيب العالمي بهذا الاتفاق، وارتياح الأسواق المالية بعد ارتفاع ملحوظ في مؤشرات الأسهم، فإن التوتر لم يهدأ، بل عادت التصعيدات الكلامية والسياسية لتكشف عن هشاشة الاتفاق.


جذور الأزمة العميقة


تكمن المشكلة الأساسية، من وجهة النظر الأميركية، في البنية الاقتصادية الصينية نفسها، حيث ترى واشنطن أن نموذج الدولة المسيطرة والموجهة اقتصادياً، والاعتماد على التصدير بشكل مفرط، يتسبب في اختلالات تجارية كبرى لصالح الصين. كما تعتبر الولايات المتحدة أن بكين لم تُبدِ مرونة كافية في ملفات حساسة، مثل تصدير المعادن النادرة، وحرية الوصول إلى السوق الصينية، والتجسس الصناعي، وملف حقوق الملكية الفكرية.


في المقابل، ترى الصين أن واشنطن تتصرف بعدوانية اقتصادية، وتحاول فرض شروط تجارية تخدم مصالحها على حساب السيادة الاقتصادية الصينية، لا سيما بعد الخطوات الأخيرة التي اتخذتها إدارة ترامب، مثل إلغاء تأشيرات طلاب صينيين، وفرض قيود على وصول بكين للتكنولوجيا المتقدمة.


تبادل الاتهامات وانعدام الثقة


الاتفاق الذي وُقّع في جنيف في 12 مايو لم يكن كافيًا لتبديد مشاعر الريبة. فبعد أسبوعين فقط من توقيعه، تبادلت بكين وواشنطن الاتهامات بانتهاكه. اتهمت واشنطن الصين بعدم تنفيذ التزاماتها بتخفيف القيود على صادرات المعادن، بينما شكت بكين من عدم احترام الولايات المتحدة لبنود الاتفاق عبر فرض إجراءات إضافية غير معلنة.


وقد أقرّ وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، بتعثر المحادثات، مؤكدًا أن القيادات السياسية ستضطر للتدخل مباشرة. وأضاف أن الشركاء التجاريين الآخرين مثل اليابان لا يزالون يتعاملون بـ"حسن نية"، في إشارة غير مباشرة إلى أن بكين لا تفعل المثل.


السلطة التنفيذية موضع مساءلة


في تطور لافت، قضت محكمة تجارية أميركية بأن ترامب تجاوز صلاحياته بفرض بعض الرسوم الجمركية بموجب "قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية". إلا أن محكمة الاستئناف الفيدرالية أعادت فرض هذه الرسوم مؤقتًا، ما فتح الباب أمام مواجهة قضائية بين السلطة التنفيذية والقضائية حول مدى صلاحيات الرئيس في إدارة السياسات التجارية.
هذا التنازع القانوني يعكس تعقيد المعركة التجارية، حيث لم تعد محصورة في ميدان المفاوضات الثنائية فحسب، بل باتت تطرق أبواب المؤسسات الدستورية في الداخل الأميركي.


الرهانات المستقبلية.. مفاوضات أم تصعيد؟

رغم إعلان البيت الأبيض عن احتمال إجراء مكالمة مباشرة بين ترامب وشي خلال الأسبوع الحالي، فإن الأوساط التحليلية تشكك في تحقق ذلك إلا إذا قدمت واشنطن ضمانات بعدم مفاجأة بكين بسياسات جديدة أو انسحاب مفاجئ من الاتفاقيات.


وتأتي هذه التوترات في وقت حساس، إذ يخشى المستثمرون من عودة أجواء "الحرب التجارية الشاملة" التي سادت عام 2019، خاصة مع قرب انتهاء فترة التهدئة الجمركية في يوليو المقبل، ومع عدم وجود ملامح واضحة لتسوية نهائية.


العلاقة التجارية الأميركية الصينية تترنح بين الرغبة في احتواء الأزمة والواقع المحكوم بعدم الثقة والتنافس البنيوي. ووسط تصريحات متقلبة، وقرارات مفاجئة، تبدو مفاوضات التهدئة أقرب إلى عملية إدارة أزمة مؤقتة أكثر من كونها مسارًا لحل جذري. وبين عناد بكين واستراتيجيات ترامب القائمة على الضغط والمفاجأة، يبدو أن المعركة مستمرة — ولكن من غير الواضح بعد من سيملك زمام المبادرة في الجولة المقبلة.