حرب تمويل على الجامعات.. ترمب يشعل معركة الحرية الأكاديمية تحت شعار مكافحة معاداة السامية

في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى فرض "نفوذ استثنائي" على مؤسسات التعليم العالي، من خلال التلويح بورقة التمويل الفيدرالي للضغط على الجامعات الأميركية، على خلفية موجة الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين التي اجتاحت الحرم الجامعي عام 2024.
وبذريعة "مكافحة معاداة السامية"، فتحت الإدارة تحقيقات موسعة مع أكثر من 60 جامعة، من بينها أعرق جامعات "رابطة اللبلاب" مثل هارفارد وكولومبيا، وشرعت في تجميد مليارات الدولارات من الدعم المالي، وسط اتهامات بأنها تتجاوز حدود صلاحياتها وتستهدف قمع حرية التعبير.
أزمة الجامعات
جامعة هارفارد، التي لطالما كانت رمزاً للتفوق الأكاديمي الأميركي، وجدت نفسها في قلب هذه العاصفة السياسية، بعد أن جمدت الإدارة تمويلاً فدرالياً بقيمة 2.2 مليار دولار، وهددت بإلغاء اعتمادها لاستقبال الطلاب الدوليين، متهمة إياها بالفشل في "حماية الطلاب اليهود" والسماح بـ"التحريض المؤيد لحماس" تحت غطاء حرية التعبير والمبادرات التعددية.
وسعت إدارة ترمب، منذ بداية ولايته الثانية، إلى فرض رقابة مباشرة على ممارسات الجامعات، شملت تعديل سياسات القبول والتوظيف والحوكمة، في إطار ما تصفه بـ"إصلاح جذري لمكافحة التحيز"، بينما اعتبر قادة التعليم العالي هذا التوجه "تدخلاً سلطوياً يقوض الاستقلال الأكاديمي ويهدد بدمار منهجي للبنية البحثية الأميركية".
سحب التمويل الفيدرالي
وقدّر الخبراء أن أكثر من 12 مليار دولار من التمويل الفيدرالي مهدد بالسحب أو التعليق، مما يُنذر بخسائر فادحة في البحث العلمي، ويُضعف القدرة التنافسية الأميركية، خاصة مع تزايد العروض المغرية من جامعات أوروبية وآسيوية لاستقطاب الباحثين المتضررين.
ومع تصاعد التوتر، تمسكت بعض الجامعات بموقفها الرافض للانصياع، وعلى رأسها هارفارد التي رفعت دعويين قضائيتين ضد الحكومة، ورفضت تسليم بيانات الطلاب الأجانب أو تغيير بنيتها الأكاديمية استجابة للضغوط السياسية.
في المقابل، رضخت مؤسسات أخرى مثل جامعة كولومبيا لبعض مطالب الإدارة، على أمل الحفاظ على تمويلها، مما أثار مخاوف عميقة من خلق سابقة خطيرة تؤسس لتحكم سياسي في الجامعات.
وتراقب مؤسسات البحث في الخارج بقلق التعاون الذي يعتمد على الزملاء في الولايات المتحدة، ولكنها ترى أيضاً فرصاً محتملة لاستقطاب المواهب.
وتأمل جامعات في آسيا، أن يمنحها هجوم الرئيس الأميركي الأخير على جامعة هارفارد، ميزة حاسمة في سعيها لوقف هجرة العقول والمواهب التي استمرت لعقود إلى الولايات المتحدة، حيث اقترحت ألمانيا أن تُنشئ الجامعة فرعاً لها داخل حدودها.
وتسعى الجامعات حول العالم جاهدة لاستقطاب الكفاءات من بعضها البعض، تماماً كما تفعل شركات التكنولوجيا والشركات في مجالات أخرى.
وأطلق الاتحاد الأوروبي مبادرة بقيمة 500 مليون يورو (569 مليون دولار) في وقت سابق من هذا الشهر لجذب الباحثين الأجانب، كما خصصت فرنسا 100 مليون يورو لجعل البلاد ملاذاً آمناً للعلوم، وخصصت إسبانيا 45 مليون يورو إضافية لبرنامج لتوظيف كبار العلماء، وتخطط بريطانيا للكشف عن خطتها الخاصة بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني (59 مليون يورو).
ويبدو أن هذه المواجهة مرشحة للتصعيد، إذ لم تعد مجرد معركة حول التمويل أو مكافحة الكراهية، بل أصبحت ساحة اختبار لمستقبل الحرية الأكاديمية، واستقلال الجامعات الأميركية في مواجهة توجهات سياسية تسعى لإعادة تعريف حدودها ودورها في المجتمع.