رسائل ما بين السطور.. مبعوث ترمب يعلن تعاون دمشق في ملف الأميركيين المفقودين

أثار الإعلان الأخير من قبل المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، موجة من التساؤلات حول طبيعة التحول في الموقف الأميركي تجاه دمشق، خاصة في ظل إعلان الحكومة السورية الجديدة عن استعدادها للتعاون في تحديد مصير ثلاثة مواطنين أميركيين مفقودين أو تسليم رفاتهم. باراك وصف الخطوة بأنها "قوية إلى الأمام"، مؤكداً على حق العائلات الأميركية في معرفة مصير أحبائهم: أوستن تايس، مجد كمالماز، وكايلا مولر.
اللافت في التصريحات هو توقيتها ومضمونها. إذ تزامن إعلان باراك، الذي يشغل أيضاً منصب سفير واشنطن لدى أنقرة، مع تصعيد في اللهجة الدبلوماسية بشأن رفع العقوبات عن النظام السوري. في منشور على منصة "إكس"، عبّر عن دعمه لوزير الخارجية ماركو روبيو في هذا الاتجاه، مشيراً إلى إعلان تاريخي من الرئيس دونالد ترمب يفتح الباب أمام انفتاح أميركي مشروط نحو دمشق.
هذه التحركات، وإن بدت في ظاهرها إنسانية – في إطار البحث عن مواطنين مفقودين منذ سنوات – إلا أنها في باطنها تعكس تحولاً استراتيجياً قد يكون مرتبطاً بإعادة صياغة النفوذ الأميركي في المنطقة، ومحاولة استخدام ملف المختفين كأداة تفاوضية مع نظام بات أكثر براغماتية في خطابه الخارجي بعد عزلة طويلة.
مأساة تايس وكمالماز ومولر
أوستن تايس
جندي سابق وصحفي مستقل، اختُطف عام 2012 أثناء تغطيته للاحتجاجات ضد نظام الأسد. رغم مرور أكثر من عقد على اختفائه، ما زالت واشنطن تتلقى تقارير متضاربة بشأن مصيره، بعضها يربطه بجماعات لها صلات بحزب الله اللبناني. محادثات سرية دارت لسنوات بين الولايات المتحدة وحكومة الأسد عبر وساطة لبنانية، لكنها لم تُفضِ إلى نتيجة ملموسة، وسط مطالب سورية بانسحاب القوات الأميركية من شمال سوريا كشرط لتقديم أي معلومات عن تايس.
في بداية العام، التقى الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع والدة تايس، في ما بدا أنه إشارة رمزية لإظهار حسن النية، دون التزام فعلي بالإفراج أو تقديم أدلة على بقائه على قيد الحياة.
مجد كمالماز
طبيب نفسي وناشط إنساني اختفى في 2017 بعد توقيفه في إحدى ضواحي دمشق. روايات متقاطعة، من بينها شهادة ضابط منشق، أشارت إلى أن اسمه كان مصنَّفاً بخط أحمر في سجلات النظام – وهو ما يعني عملياً "الإعدام دون أثر". عائلته أُبلغت لاحقاً باحتمال وفاته أثناء الاحتجاز، لكن دون دليل، ولا تهمة، ولا حتى إقرار رسمي بوجوده. غياب المحاكمة أو التوثيق القانوني يعكس طبيعة الدولة الأمنية التي ما زالت تهيمن على مؤسسات النظام السوري.
كايلا مولر
كانت تعمل في مجال الإغاثة، ووقعَت في قبضة "داعش" عام 2013، حيث تعرضت لانتهاكات جسيمة شملت الاستعباد الجنسي من قبل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. عائلتها أكدت تلقيها صوراً توثق وفاتها عام 2015. قصة مولر تمثل الوجه الآخر من المأساة السورية، حيث تحولت الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام إلى جحيم مفتوح للرهائن والناشطين الأجانب، بين قبضة تنظيمات متطرفة ونظام لا يُبدي تعاوناً إلا وفق شروط سياسية.
تحليل الدوافع.. هل هي إنسانية أم سياسية؟
إعلان باراك لا يمكن فصله عن المسار السياسي الذي بدأت تتبناه إدارة ترمب، في سعيها لإعادة ترتيب أوراقها في الملف السوري عبر بوابة ملف إنساني حساس. فالمطالب برفع العقوبات، والتقارب النسبي مع الحكومة السورية الجديدة، يعكسان توجهاً نحو تبادل المصالح: معلومات عن الأميركيين مقابل تخفيف الحصار الاقتصادي.
الأهم من ذلك، أن باراك ليس مجرد دبلوماسي، بل هو مستثمر نافذ ومستشار مقرب من ترمب، ما يثير تساؤلات حول استخدام ملف المختفين كورقة ضغط في سياق صفقة أوسع تشمل ملفات الطاقة، وإعادة الإعمار، وربما إعادة توزيع النفوذ في الشمال السوري.