اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

إيران بين ”القدرة” و”اللا رغبة”.. رسائل نووية مشروطة على طاولة تفاوض مشتعلة

إيران
محمود المصري -

في تصريح يحمل أبعادًا متعددة ورسائل مزدوجة، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده تمتلك القدرة التقنية على تصنيع سلاح نووي، لكنها – في الوقت ذاته – لا تمتلك النية لفعل ذلك. هذا الإعلان لم يكن مجرد تصريح عابر في خضم التصريحات المتكررة عن البرنامج النووي الإيراني، بل يبدو أقرب إلى توجيه دقيق للرأي العام الدولي ومفاوضات في الظل تُدار بدقة على طاولة السياسة النووية.


إيران، التي تواصل تأكيدها العلني على سلمية برنامجها النووي، تُصرّ من جهة على حقها "المشروع" في تخصيب اليورانيوم، وتُبدي من جهة أخرى استعدادًا لطمأنة المجتمع الدولي من خلال "قيود تقنية مؤقتة"، لا تتجاوز الطابع الزمني ولا تُفضي إلى تفكيك بنية البرنامج النووي ذاته. وهنا تبرز المعادلة التي تحاول طهران تثبيتها: نحن نملك القدرات، لكننا لا نستخدمها إلا إذا اضطررنا.

لا تفكيك لا توقت

التصريحات جاءت عبر وكالة «تسنيم» المقربة من الحرس الثوري، ما يضيف ثقلًا أمنيًا واستراتيجيًا على فحوى الرسالة، خصوصًا مع اقتراب جولة خامسة من المحادثات الإيرانية - الأميركية غير المباشرة، والتي ستُعقد في العاصمة الإيطالية روما، وفق ما أعلنه وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي. اختيار روما كمسرح جديد للتفاوض يشي برغبة الطرفين في تغيير الأجواء وربما كسر الجمود الذي ساد الجولات السابقة.
لكن عراقجي لم يخفِ نبرة التحدي؛ إذ أكد بشكل قاطع أن التخصيب "لن يتوقف"، وأن أي محاولة لجعل ذلك هدفًا للتفاوض "ستُفشل الاتفاق". هذا الموقف يعكس استراتيجية تفاوضية محسوبة من إيران: لا مانع من تقديم تنازلات شكلية، ولا بأس في توسيع التفتيش طالما أنه لا يمس جوهر البرنامج النووي، ولكن الخطوط الحمراء واضحة: لا تفكيك، لا توقف، ولا اتفاق دون ضمانات مكتوبة ومُلزمة.


الخلافات "الجوهرية" التي أشار إليها عراقجي مع الجانب الأميركي، خاصة في ما يتعلق بعدم اعتراف واشنطن بحق إيران في التخصيب، تُسلّط الضوء على الفجوة التي لا تزال قائمة في قلب المفاوضات. فبينما تسعى طهران للحصول على ضمانات تمنع تكرار الانسحاب الأميركي الأحادي كما حدث في عهد إدارة ترامب، تُصر واشنطن على شروط أمنية صارمة لتقييد البرنامج الإيراني ومنع إمكانات التسلّح النووي في المستقبل.

إيران تستطيع

من جهة أخرى، يُحاول الخطاب الإيراني اللعب على حافة المعقول الدبلوماسي. فهو يُعلن امتلاك التقنية النووية العسكرية، لكنه يربط استخدامها بالقرار السياسي، ما يفتح بابًا لمعادلة الردع غير المعلنة: إيران تستطيع، لكنها حتى الآن تختار ألا تفعل. وهي إشارة موجهة للغرب كما للخصوم الإقليميين، مفادها أن طهران لن تقف في موقع الضعف طويلاً، وأن "النية" ليست تعهدًا دائمًا، بل موقف سياسي قابل للتبدّل في حال استمرار الضغط وغياب الاتفاق العادل.
تبدو إيران في موقف تفاوضي حساس، بين التلويح بورقة السلاح النووي دون إعلانها رسميًا، وبين محاولة كسب مزيد من الشرعية لبرنامجها عبر الإطار القانوني للاتفاق النووي. ومع دخول الوساطة العمانية جولة جديدة في روما، يبقى السؤال المطروح: هل يمكن لهذه المعادلة الهشة أن تُفضي إلى اتفاق جديد، أم أن التصعيد الهادئ سيظل السمة الأبرز للمشهد الإيراني - الأميركي في الأشهر المقبلة؟.