اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

إلياس رودريجيز.. من نضال الأقليات إلى رصاص العنف السياسي

إلياس رودريجيز
محمود المصري -

شهدت العاصمة الأميركية واشنطن حادثة إطلاق نار مروعة أسفرت عن مقتل موظفين في السفارة الإسرائيلية بالقرب من متحف يهودي، وسرعان ما تم التعرف على هوية المشتبه به: إلياس رودريجيز، شاب في الثلاثين من عمره ينحدر من شيكاغو، وله سجل حافل بالنشاط السياسي والاجتماعي، خصوصًا في قضايا العدالة العرقية والدعم العلني للقضية الفلسطينية.
ما يثير الانتباه ليس فقط فداحة الفعل، بل الخلفية المركبة للمشتبه به، التي تسلط الضوء على التداخل المعقد بين النشاط السياسي والميول الأيديولوجية الحادة التي قد تنزلق أحيانًا إلى أشكال من العنف.

هوية ودوافع.. من هو إلياس رودريجيز؟


رودريجيز ليس مجرد مواطن عادي، بل ناشط معروف في الأوساط اليسارية الأميركية، وعضو في حزب الاشتراكية والتحرير (PSL)، وهو كيان سياسي ينتمي إلى اليسار الراديكالي، ويتبنى خطابًا مناهضًا للإمبريالية وداعمًا بشكل صريح للقضية الفلسطينية. يظهر هذا الانتماء جليًا في مشاركته بمظاهرات داعمة لفلسطين، وأبرزها تلك التي نظمها الحزب في ميدان تايمز سكوير بعد يوم من اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023.
لكن رودريجيز لم يكن ناشطًا سياسيًا فحسب، بل أيضًا منخرطًا في حركة "حياة السود مهمة" (BLM)، وكان من الأصوات التي ربطت قضايا الظلم العرقي في الداخل الأميركي بالسياسات الاقتصادية والممارسات الأمنية. ففي عام 2017، شارك في احتجاج ضد عمدة شيكاغو، رام إيمانويل، معتبرًا أن العنصرية البنيوية والظلم الاقتصادي في المدينة يرتبطان بسياسات التهميش والتواطؤ الرسمي.

شعارات في لحظة الصدمة.. فلسطين في قلب الحدث


لحظة القبض على رودريجيز كانت موثقة بلقطات فيديو أظهرت هتافه "فلسطين حرة"، وهو ما أكده لاحقًا مسؤولو الشرطة في إفاداتهم. هذا الشعار الذي رفع في موقع الهجوم – وهو موقع رمزي يجمع بين الدبلوماسية الإسرائيلية والذاكرة اليهودية – يعطي الحادث أبعادًا تتجاوز مجرد "عمل فردي"، ويطرح تساؤلات حول مدى تغلغل الخطاب السياسي الراديكالي في الوعي الفردي لبعض الناشطين، ومدى قابليته للتحول إلى عنف مباشر.

الخلفية الأكاديمية والمهنية.. صورة مزدوجة


من المفارقات أن إلياس رودريجيز يحمل خلفية أكاديمية رصينة، فهو حاصل على شهادة في اللغة الإنجليزية من جامعة إلينوي، ويعمل باحثًا في "التاريخ الشفوي" ضمن مؤسسة "ذا هيستوري ميكرز"، حيث يقوم بتوثيق سِيَر شخصيات بارزة من المجتمع الأميركي الإفريقي. كما عمل سابقًا ككاتب محتوى في قطاع التكنولوجيا، مما يعكس تركيبة معرفية ومهنية قد تبدو بعيدة عن العنف، لكنها تحمل في طياتها إحساسًا عميقًا بالظلم الهيكلي.

قراءة أولية.. ما الذي يكشفه هذا الحادث؟


تسييس القضايا الحقوقية: يُظهر مسار رودريجيز كيف يمكن لتراكم الإحباطات من السياسات العنصرية والاقتصادية أن يتحول إلى تعبيرات متطرفة، خاصة في سياق دولي متوتر مثل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.


اليسار الراديكالي في الولايات المتحدة: الحادث يفتح الباب لنقاش أوسع حول حدود التعبير السياسي، ومسؤولية التنظيمات اليسارية الراديكالية في ضبط خطابها ومنع انزلاق أعضائها نحو العنف.


تأثير السياقات الدولية على الداخل الأميركي: تزامن الحادث مع تصاعد الحرب في غزة يعيد طرح سؤال قديم – جديد حول تأثير السياسة الخارجية الأميركية على الأمن الداخلي، خصوصًا في بلد متعدد الأعراق والهويات.


ومما لا شك فيه أن حادث إطلاق النار أمام السفارة الإسرائيلية بواشنطن ليس مجرد حادث معزول، بل انعكاس لتشابك متفجر بين القضايا المحلية الأميركية والسياسات الدولية، وبين الخطاب السياسي والنزعات الفردية. إلياس رودريجيز يجسد، بحياته ومسيرته، هذا التوتر القائم بين النضال الاجتماعي المشروع والانزلاق نحو الفعل الراديكالي العنيف. والسؤال المطروح الآن هو: إلى أي مدى تستطيع الديمقراطية الأميركية احتواء هذا النوع من التحولات الفكرية في عصر الاستقطاب الحاد؟