اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الرئيس الأمريكي يصدم القارة العجوز: بوتين غير مستعد لإنهاء حرب أوكرانيا

ترامب
محمود المصري -

في تحول لافت في مواقفه المعلنة، أبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القادة الأوروبيين خلال مكالمة خاصة، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "غير مستعد لإنهاء الحرب في أوكرانيا"، وذلك استنادًا إلى محادثة هاتفية أجراها مؤخرًا مع بوتين. هذا التصريح، الذي نقلته صحيفة وول ستريت جورنال عن ثلاثة مصادر مطلعة، شكّل نقطة تحول في خطاب ترامب العلني، حيث كان يؤكد سابقًا أن بوتين "يرغب بصدق في السلام".


هذا التباين بين الخطاب العلني والموقف الخاص أزال الغموض لدى القادة الأوروبيين، الذين كانوا على قناعة منذ وقت طويل بأن بوتين يسعى إلى إطالة أمد الحرب لتحقيق مكاسب ميدانية وسياسية. وقد شكّل إقرار ترامب، من وجهة نظرهم، تأكيدًا رسميًا لقراءتهم للمشهد الروسي الأوكراني.


ورغم وضوح الموقف الجديد، فإن سلوك ترامب العملي لم يواكب هذا الإدراك. فعلى الرغم من اقتراحه فرض عقوبات في حال رفض بوتين وقف إطلاق النار، عاد وتراجع عن ذلك بعد يوم واحد، مشيرًا إلى رغبته في دفع المفاوضات إلى مستوى أدنى عبر قنوات غير رسمية تُعقد في الفاتيكان، بدلًا من انتهاج سياسة العقوبات.

تردد استراتيجي أم مناورة تكتيكية؟


التذبذب في موقف ترامب، من التهديد بالعقوبات إلى الرهان على المفاوضات الفاتيكانية، يكشف عن صراع داخلي بين منطق الواقعية السياسية والحرص على عدم الانخراط العميق في حرب لا يعتبرها "حربه"، كما صرّح للصحفيين عقب مكالمته مع بوتين.
هذا التردد يعكس كذلك موقفًا متغيرًا من الدور الأمريكي في النزاع، إذ بدا ترامب غير راغب في تصعيد الضغط على روسيا، على الرغم من مطالبات أوروبية متكررة. وهو ما دفع الأوروبيين إلى إدراك أن عبء دعم أوكرانيا قد بات يقع في المقام الأول على عاتقهم، في ظل حياد أمريكي فعلي يكتفي بالتصريحات الدبلوماسية دون خطوات تنفيذية جادة.


انقسام في المفاهيم


تجلّى تباين الرؤى بوضوح في اعتراض ترامب على مصطلح "وقف إطلاق نار غير مشروط"، الذي أصر عليه بعض القادة الأوروبيين. فرغم استخدامه للمصطلح سابقًا، تنصّل منه لاحقًا في محادثته الأخيرة، مفضلًا عبارات أكثر مرونة، ما يشير إلى حرصه على عدم تقييد بوتين بمواقف حادة قد تنسف فرص المفاوضات من وجهة نظره.
هذا التراجع اللغوي يعكس بدقة مقاربة ترامب القائمة على البراغماتية الفورية، حيث يُنظر إلى الكلمات كمفاتيح تفاوضية أكثر من كونها التزامات سياسية.

أوروبا تبحث عن موطئ قدم


في خضم هذا التذبذب الأمريكي، سعت أوروبا لتعويض الفراغ عبر تحركات دبلوماسية مستقلة. فجاءت الزيارة المفاجئة لماكرون وميرتس وستارمر وتوسك إلى كييف في 10 مايو محاولةً لحشد موقف موحد، ولحث زيلينسكي على قبول مقترحات ترامب بشأن وقف إطلاق النار المؤقت، وهو ما أفضى إلى مكالمة ثلاثية استخدم فيها الأوروبيون هاتف ماكرون للاتصال بترامب مباشرة.


ورغم أن التحرك الأوروبي لم ينجح في جر ترامب نحو فرض عقوبات، فإنه مهّد لاقتراح بوتين عقد مفاوضات مباشرة، هي الأولى منذ ثلاث سنوات. لكن بوتين، الذي لم يحضر اجتماع إسطنبول، بعث برسالة واضحة عبر إرسال ممثلين من مستوى أدنى، يكررون شروطًا اعتبرتها كييف "غير مقبولة".

مواقف مزدوجة ولهجة غير دبلوماسية


المكالمة التي جمعت ترامب بالقادة الأوروبيين لم تخلُ من الازدواجية النمطية لخطابه. فقد امتدح ترامب المستشار الألماني فريدريش ميرتس وأسلوبه في الإنجليزية، بينما شن هجومًا على سياسات الهجرة الأوروبية، واصفًا إياها بأنها "تدفع بلدانهم إلى حافة الانهيار"، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى التدخل قائلًا: "لا يمكنك إهانة دولنا يا دونالد".


هذا التوتر في الأسلوب، وإن بدا جزءًا من شخصية ترامب السياسية، إلا أنه يعكس صعوبة التنسيق العابر للأطلسي في ظل غياب مقاربة أمريكية واضحة، ما يضعف جبهة الغرب في وجه روسيا، سواء على المستوى الرمزي أو العملي.


مؤشرات على مفاوضات هشة


المشهد الحالي ينبئ بمفاوضات هشة تفتقر إلى وحدة الرؤية والضغط الفعّال. ففي الوقت الذي تراهن فيه أوروبا على تقليص الخسائر عبر حشد الدعم الأمريكي، يتمسّك ترامب بمقاربة توازن بين عدم التصعيد وحفظ ماء الوجه، سواء أمام قاعدته السياسية أو في نظر الرأي العام الأمريكي.
وفي ظل غياب التزام أمريكي قوي، يبدو أن النزاع الأوكراني سيظل مفتوحًا على احتمالات متعددة، تتراوح بين تصعيد روسي محسوب، وتفاوض شكلي يهدف إلى كسب الوقت، دون أن يغيّر المعادلات على الأرض بشكل جوهري.