”الحرية لفلسطين” في قلب العاصمة الأمريكية.. اغتيال دبلوماسيين إسرائيليين يشعل استنفارًا أمنيًا

في حادثة تُنذر بتداعيات دبلوماسية وأمنية، قُتل اثنان من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن مساء الأربعاء، إثر إطلاق نار وقع قرب المتحف اليهودي أثناء فعالية دبلوماسية شبابية نظمتها اللجنة الأمريكية اليهودية. الجريمة التي وصفها مسؤولون إسرائيليون بأنها "إرهابية ومعادية للسامية"، وقعت في منطقة حساسة قريبة من مكاتب اتحادية أمريكية كبرى، من بينها مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ومكتب المدعي العام الأمريكي.
ردود أفعال رسمية
جاءت ردود الفعل الإسرائيلية متسارعة وحاسمة، تعكس حجم الصدمة والخشية من تصاعد موجة العداء تجاه إسرائيل والجاليات اليهودية في الخارج.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أدان الهجوم ووصفه بـ"العمل العدائي"، متعهداً بمكافحة "معاداة السامية والتحريض ضد إسرائيل دون هوادة". بدوره، أكد الرئيس إسحق هرتسوغ أن "الإرهاب والكراهية لن يكسرانا"، فيما شدد وزير الخارجية جدعون ساعر على أن إسرائيل "لن تستسلم للإرهاب".
على الصعيد الأممي، وصف مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، الحادث بأنه "عمل إرهابي يتجاوز الخطوط الحمراء"، مطالباً السلطات الأمريكية باتخاذ "إجراءات صارمة ضد الجناة".
ملابسات الحادث ودلالاته
وفق المعلومات الأولية، فإن الجاني، إلياس رودريغيز (31 عاماً)، أطلق النار على رجل وامرأة من طاقم السفارة، قبل أن يتم توقيفه. ولم تُسجَّل له أي سوابق أمنية، ما يطرح تساؤلات حول الدوافع المباشرة، لا سيما بعد أن أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن المهاجم كان يرتدي "كوفية" وهتف "الحرية لفلسطين" أثناء إطلاق النار.
هذا العنصر الرمزي – الكوفية والهتاف – يشير إلى بُعد سياسي/قومي قد لا يكون تنظيمياً بالضرورة، لكنه يعكس شعورًا محتدمًا في أوساط معينة تجاه السياسة الإسرائيلية، خاصةً في ظل التصعيد العسكري في غزة والضفة الغربية، وما يشهده العالم من احتجاجات متزايدة ضد سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين.
البعد الأمني والدبلوماسي
الحدث يسلط الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجهها البعثات الإسرائيلية في الخارج، ويعيد إلى الواجهة مسألة أمن الدبلوماسيين وسط مناخ سياسي متوتر دولياً. نتنياهو أعلن تعزيز الإجراءات الأمنية في السفارات الإسرائيلية حول العالم، في مؤشر على مخاوف من تكرار الحوادث أو تحوّل هذا الهجوم إلى نمط.
كما يُثير الحادث تساؤلات لدى الأجهزة الأمنية الأمريكية، لا سيما أنه وقع في منطقة تخضع لمراقبة أمنية مشددة. وقد باشرت فرقة مكافحة الإرهاب التابعة لـFBI التحقيق في الحادث، ما يعكس جدية واشنطن في التعامل معه كتهديد محتمل للأمن القومي والدولي.
السياق الأوسع
يأتي هذا الهجوم في لحظة مشحونة عالميًا، حيث تتصاعد حدة الاستقطاب حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. الجامعات الأمريكية تشهد منذ أسابيع احتجاجات واسعة داعمة للفلسطينيين، تخللتها اتهامات متبادلة بين مناصري إسرائيل ومعارضيها، ما يزيد من تعقيد البيئة السياسية والأمنية داخل الولايات المتحدة.
وفي مثل هذا السياق، من الصعب تجاهل إمكانية أن يكون الحادث جزءًا من مناخ تعبوي، حتى وإن لم يكن منسقًا أو ذا طابع تنظيمي مباشر. كما أن التوظيف السياسي للحادث من قِبل إسرائيل بات واضحًا، في محاولة لتأطيره ضمن ظاهرة متنامية من "معاداة السامية"، بغرض كسب دعم دولي أوسع في مواجهتها للانتقادات المتزايدة.
الحادثة الدموية التي أودت بحياة دبلوماسيين إسرائيليين في قلب العاصمة الأمريكية ليست مجرد جريمة جنائية عابرة، بل تمثل تقاطعًا خطيرًا بين الأمن والدبلوماسية والسياسة في لحظة دولية مشحونة. وبينما تندد إسرائيل بـ"الإرهاب" وتُحمّل خطاب الكراهية المسؤولية، تتجه الأنظار إلى نتائج التحقيقات الأمريكية التي ستحدد ما إذا كان الحادث فعلًا فرديًا معزولًا أم مؤشراً على تصعيد أوسع في الحرب الباردة السياسية حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.