روسيا تستخدم الـ«سوشيال ميديا» لرسم صورة جميلة عن «ماريوبول» الأوكرانية

بعد ثلاث سنوات من سيطرتها على «ماريوبول»، إثر حصار دامَ 86 يوماً، تستخدم روسيا قوة أكثر دهاء للحفاظ على قبضتها على المدينة الساحلية الأوكرانية، وهي «مؤثرو وسائل التواصل الاجتماعي»، وكشف تحقيق أجرته شبكة «سي إن إن»، أن سكان هذه المدينة - بمن فيهم أطفال المدارس - يتلقون تدريباً في برامج إعلامية جديدة و«مدارس مدونين» مرتبطة بالحكومة الروسية، وعلى الرغم من أن أعداد متابعيهم ونطاقهم الإجمالي ضئيل، مقارنة بمؤثري المشاهير، يقول الخبراء إن الكرملين بحاجة إلى أصوات محلية للترويج بفاعلية للحياة في ظل الوجود الروسي.
ويقول بافيل كاربوفسكي، وهو مدرس في إحدى «مدارس المدونين»، في مقطع فيديو نُشر على «تيك توك»، ويسلط الضوء على بناء مبانٍ سكنية جديدة: «انظروا فقط لما تفعله روسيا في ماريوبول، لحظة.. إنهم يبنون ولا يهدمون.. هذه ماريوبول مدينتنا الروسية».
وكاربوفسكي واحد من عدد متزايد من منشئي المحتوى الذين يرسمون صورة للتجديد في مدن وبلدات المناطق الأوكرانية الأربع التي ضمتها روسيا 2022 (دونيتسك، ولوغانسك، وخيرسون، وزابوريجيا).
وأكد في مقابلة مصورة مع شبكة «سي إن إن» من دونيتسك، أنه لا يعمل دعاية، بل مهمته هي إظهار الحقيقة عن الحياة في المناطق التي تسيطر عليها روسيا.
ودأب مسؤولو المدينة المدعومون من روسيا، على تشجيع المبدعين مثل كاربوفسكي على نشر منشورات حول استعادة «الأراضي المحررة»، بما في ذلك أثناء الاجتماعات الرسمية.
وفي يناير، كان كاربوفسكي ضمن مجموعة من المبدعين الذين دعوا للقاء رئيس جمهورية دونيتسك الشعبية، المدعومة من روسيا دينيس بوشيلين، وصرح بوشيلين في بيان على «تيليغرام» بأنه يعتمد على المجموعة لنشر رسالة مفادها أن منطقة «دونباس الشرقية تشهد إحياء»، وتابع المنشور: «جميعنا متحدون برغبة عارمة في استعادة وإحياء دونباس، ويجب أن يعرف الناس أكبر قدر ممكن من المعلومات، حول العمل واسع النطاق الجاري بالفعل».
وحللت شبكة «سي إن إن» أكثر من 12 ملفاً شخصياً لمؤثرين محليين يروّجون لمشروع موسكو في «ماريوبول» على منصات التواصل الاجتماعي، بعضها مؤيد لروسيا علناً، ويلقي باللوم على أوكرانيا في المعاناة التي لحقت بالمنطقة، بينما يبدو البعض الآخر غير سياسي، وعلى الرغم من تواضع عدد جمهورهم الذي يراوح بين 3000 و36 ألفاً على «تيك توك»، فإن محتواهم الذي يركز على إعادة الإعمار، يمكن أن يحصد مئات الآلاف من المشاهدات.
وكان حصار روسيا للمدينة الساحلية التي كانت تعرف سابقاً كمركز للتجارة والصناعة، أحد أعنف المعارك وأكثرها تدميراً منذ أن شنّت موسكو حربها الشاملة على أوكرانيا قبل أكثر من ثلاث سنوات، ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، تضرر أو دُمّر 90% من المباني السكنية في «ماريوبول» خلال الهجمات الروسية، واضطر نحو 350 ألف شخص من أصل نحو 430 ألف نسمة قبل الحرب إلى الفرار، وصرح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في مقابلة أجريت معه أخيراً، بأنه يُعتقد أن 20 ألف مدني قُتلوا، على الرغم من استحالة التحقق من عدد القتلى، واتهم المسؤولون الأوكرانيون موسكو بمحاولة التستر على أدلة على وقوع إصابات بين المدنيين، وهو ادعاء ينفيه الكرملين.
ويقول مدير مركز الاتصالات الاستراتيجية وأمن المعلومات التابع للحكومة الأوكرانية، إيغور سولوفي، في تصريحات مكتوبة لشبكة «سي إن إن»: «تسعى موسكو إلى قطع تدفق المعلومات حول الدمار الهائل الذي أحدثه الجيش الروسي»، وأضاف أنه لمواجهة ذلك، تحاول أوكرانيا نشر مزيد من الحقائق حول جرائم الجيش الروسي، مشيراً إلى أن «هناك ما يكفي منها لدحض أي ادعاءات روسية زائفة حول (الحياة الجميلة) تحت الاحتلال».
وبالنسبة لموسكو، يظل الحفاظ على السيطرة على «ماريوبول» أولوية استراتيجية ومحوراً لاستثمارات كبيرة، وقال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال مؤتمره الصحافي السنوي في ديسمبر: «نحن نولي ماريوبول اهتماماً كبيراً».
وفي مارس 2023، قام بزيارة مخطط لها بعناية إلى المدينة، ناقش خلالها جهود الترميم مع المسؤولين المحليين، وفي مقطع فيديو انتشر على الإنترنت خلال التقائه بالسكان، سُمع صوت خارج الكاميرا يصرخ: «كلها أكاذيب، إنها مجرد استعراض».
وبينما لاتزال أعمال البناء جارية بشكل واضح، يُظهر تحليل «سي إن إن» لصور الأقمار الاصطناعية، وجود دمار كبير، ولم تتم إعادة إسكان الكثير ممن فقدوا منازلهم في عام 2022، وغالباً ما تكون المساكن الجديدة الجيدة غير كافية، ويقول السكان إن السلطات الروسية تستولي أيضاً على منازل الأوكرانيين الذين فروا من المدينة لإعطائها للآخرين.
وفي سبتمبر، افتتحت منظمة تُدعى مركز دونباس الإعلامي، «مدرسة المدونين» في ماريوبول، والتي تقدّم دورات مجانية لمدة أسبوعين مصممة لتزويد المؤثرين الطموحين بأساسيات تقنية في مهارات مثل التصوير والمونتاج، إضافة إلى فهم كيفية اكتساب الشهرة وكسب المال عبر الإنترنت، وعُقدت دورات مماثلة بالفعل في دونيتسك ولوغانسك، وتبعتها دورة أخرى في ميليتوبول، في الجزء الذي تسيطر عليه روسيا من زابوريجيا.