اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الخطوط الحمراء النووية.. إيران ترفض التراجع وأمريكا تتشبث بالتخصيب صفر

إيران
محمود المصري -

في مشهد دبلوماسي يزداد تعقيدًا، أكدت إيران مجددًا أن مفاوضاتها النووية مع الولايات المتحدة لن تفضي إلى أي نتائج ما دامت واشنطن تصرّ على مطلب وقف تخصيب اليورانيوم، معتبرة أن هذا الشرط يتجاوز حدود الواقعية السياسية وينتهك ما تصفه طهران بـ"الحق السيادي" في امتلاك الطاقة النووية.
نائب وزير الخارجية الإيراني، مجيد تخت روانجي، جدد التأكيد أن التخصيب "إنجاز وطني" غير قابل للتفاوض، رافضًا ما تردد عن اقتراح إيراني بإنشاء كونسورتيوم نووي دولي، لكنه أشار إلى أن الأفكار المتعلقة بذلك قد تخضع للدراسة إن طُرحت رسميًا.

الخط الأحمر

في المقابل، شدد المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، على أن بلاده لن تسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم حتى ولو بنسبة ضئيلة لا تتجاوز 1%، واصفًا ذلك بـ"الخط الأحمر" الأمريكي، رغم تصريحات رسمية من إدارة الرئيس ترامب تؤكد رغبتها في حل الأزمة دبلوماسيًا.


الرد الإيراني جاء حازمًا على لسان وزير الخارجية عباس عراقجي، الذي شدد على أن التخصيب "ليس ورقة مساومة"، بل هو ثمرة جهد علمي وتضحيات بشرية، بينها اغتيال علماء نوويين، وهو أمر يضعه في مرتبة "المقدسات القومية". وأشار عراقجي إلى أن الأسلحة النووية لا وجود لها في العقيدة العسكرية الإيرانية، مستشهدًا بفتوى دينية تحرّم امتلاكها.


لكن العراقجي ترك الباب مواربًا، مشيرًا إلى أن المفاوضات يمكن أن تنجح إذا قبلت واشنطن بمبدأ التخصيب السلمي، واستبعدت هواجسها الأمنية التي وصفها بغير الواقعية. كما أبدى استعداد إيران لتفاعل "مربح للطرفين" في حال تم الاعتراف بحقوقها النووية المشروعة بموجب معاهدة عدم الانتشار.


الموقف البرلماني الإيراني لم يكن أقل صرامة، إذ أكد المتحدث باسم لجنة الأمن القومي، إبراهيم رضائي، أن بلاده "لن تتراجع عن سياساتها"، مهاجمًا التبعية الإقليمية لبعض الدول للنفوذ العسكري الأمريكي، ومشددًا على أن أي تفاوض يجب أن يحترم ما وصفه بـ"الخطوط الحمراء الإيرانية".

جولة خامسة مرتقبة

في السياق نفسه، أجرى عراقجي اتصالًا مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أطلعه فيه على مجريات المفاوضات غير المباشرة مع واشنطن، مشددًا على أن حق إيران في استخدام الطاقة النووية السلمية "لا يمكن تجاهله"، فيما دعت طهران أوروبا إلى لعب دور أكثر فاعلية، بعد أن قلصت ـ حسب تعبيره ـ من حضورها وتأثيرها.


وتتزامن هذه التصريحات مع جولة خامسة مرتقبة من المحادثات بين واشنطن وطهران في أوروبا، بعد أربع جولات سابقة وصفت بـ"المثمرة"، جرت بوساطة سلطنة عمان. كما عقد لقاء ثلاثي بين إيران ودول الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) في إسطنبول الجمعة الماضية، في محاولة لإيجاد أرضية تفاهم تقود إلى تخفيف العقوبات مقابل التزامات نووية محددة.


غير أن التباين الحاد بين الطرفين حول جوهر الملف – وهو حق إيران في التخصيب من جهة، وخوف الولايات المتحدة من تحول البرنامج إلى غطاء لامتلاك سلاح نووي من جهة أخرى – لا يزال حجر العثرة الأكبر في طريق أي اختراق حقيقي في المفاوضات.
في ضوء ذلك، يبدو أن الجولة المقبلة لن تكون مجرد نقاش تقني حول نسب التخصيب أو آليات الرقابة، بل معركة سياسية حول مفاهيم السيادة والردع والهيمنة، في وقت تتزاحم فيه ملفات إقليمية متفجرة قد تؤدي إلى ترحيل التفاهم بدلًا من تحقيقه.