اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

جرينلاند بين مطرقة المصالح الأميركية وسندان السيادة الدنماركية.. الصين تدخل على خط التوترات الجيوسياسية

جرين لاند
محمود المصري -

في ظل تصاعد التنافس الدولي على مناطق النفوذ، تجدد الجدل حول جزيرة جرينلاند، الإقليم الدنماركي الذي بات مسرحاً لتقاطعات حادة بين واشنطن وبكين، وسط قلق أوروبي متزايد من محاولات زعزعة السيادة الدنماركية على الإقليم ذي الأهمية الاستراتيجية شمال الأطلسي.
وخلال لقائه بنظيره الدنماركي لارس لوك راسموسن، أكد وزير الخارجية الصيني وانج يي التزام بلاده باحترام سيادة الدنمارك وسلامة أراضيها، خصوصاً في ما يتعلق بقضية جرينلاند. وأعرب عن تطلع بكين لتعزيز الحوار مع الاتحاد الأوروبي، داعياً كوبنهاغن إلى مواصلة دعم "الموقف الشرعي" للصين في ما يتصل بسيادتها، في إشارة غير مباشرة إلى ملف تايوان.
الرسالة الصينية جاءت بعد أيام من زيارة رئيسة تايوان السابقة تساي إنج ون إلى العاصمة الدنماركية، وهو ما أثار غضب بكين التي اعتبرت الزيارة انتهاكاً لسياستها "الصين الواحدة"، خصوصاً في ظل تنامي الوجود الدبلوماسي التايواني غير الرسمي في أوروبا.

مخططات أمريكية

تزامناً مع ذلك، تسربت تقارير أميركية، عبر شبكة CNN وصحيفة "وول ستريت جورنال"، تفيد بأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب كانت تدرس مقترحاً بنقل الإشراف الأمني على جزيرة جرينلاند من القيادة الأوروبية الأميركية إلى القيادة الشمالية الأميركية، في خطوة رمزية من شأنها فصل الجزيرة عن الارتباط العسكري والسياسي بالدنمارك، ما أثار حفيظة المسؤولين في كوبنهاغن.
وفي سياق الرد على هذه التحركات، أكد وزير الدفاع الدنماركي ترويلز لوند بولسن تمسك بلاده بسيادتها الكاملة على جرينلاند، رافضاً أي حديث عن إمكانية ضمها أو التفاوض بشأنها. وخلال مؤتمر أمني في كوبنهاغن، شدد بولسن على التزام بلاده بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى ما يتجاوز 4% من الناتج المحلي، في رسالة واضحة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة على حد سواء.
تصريحات بولسن جاءت رداً مباشراً على تلميحات ترمب، الذي عاد في مقابلات حديثة إلى طرح فكرة الاستحواذ على جرينلاند، بل ورفض استبعاد استخدام القوة لتحقيق ذلك، ما اعتبره مراقبون محاولة لإحياء مشروع جيوسياسي قديم يصطدم هذه المرة بإرادة دنماركية حازمة، ورفض أوروبي واضح لأي مساس بوحدة أراضي الدول الأعضاء في الاتحاد.


تحديات مركبة


وتواجه كوبنهاغن تحديات مركبة في هذا الملف، فبينما تؤكد على متانة علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن، فإنها ترفض الانجرار خلف سياسات أميركية توسعية قد تقوض النظام الدولي القائم على احترام السيادة، وتفتح الباب أمام صراعات باردة في القطب الشمالي.


وفي خضم هذا التوتر، تسعى الصين إلى ترسيخ موقعها كلاعب دولي فاعل يحترم القانون الدولي – بحسب تصريحات مسؤوليها – لكن وجودها في قلب النزاع حول جرينلاند يعكس أيضاً طموحها المتزايد في التمدد نحو مناطق النفوذ الغربية، ومنافسة واشنطن حتى في عقر دارها الاستراتيجي.


وبين الاصطفافات الجيوسياسية وتصاعد التهديدات الرمزية، تظل جزيرة جرينلاند أكثر من مجرد إقليم دنماركي، بل باتت أرضاً جيوسياسية مشتعلة ترمز إلى الصراع بين القوى الكبرى على إعادة رسم خرائط النفوذ في عالم يتجه نحو مزيد من الاستقطاب.