اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

انتخابات بولندا 2025.. صراع بين الليبرالية والقومية وسط تهديدات بعودة القيم المؤيدة لترمب

الانتخابات البولندية
محمود المصري -

تدخل بولندا مرحلة حاسمة في تاريخها السياسي من خلال انتخابات رئاسية ستحدد مسارها في المستقبل القريب. الانتخابات ليست مجرد اقتراع لاختيار رئيس جديد، بل تمثل اختبارًا رئيسيًا لمستقبل العلاقة بين بولندا والاتحاد الأوروبي، في وقت يواجه فيه الاتحاد تحديات معقدة على مختلف الأصعدة، من بينها الغزو الروسي لأوكرانيا والرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
في هذه الانتخابات، يُنظَر إلى بولندا كدولة محورية في الجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي، بحيث ستكون نتائجها لها تأثير عميق على السياسات الداخلية والخارجية للاتحاد. ويعكس هذا التنافس بين مرشحين ينتمون إلى معسكرين متناقضين؛ الأول يمثله رافاو تراسكوفسكي، رئيس بلدية وارسو، المنتمي للائتلاف المدني الذي يتزعمه رئيس الوزراء دونالد توسك، والذي يسعى للتمسك بالمسار الأوروبي والليبرالي الذي عمل على تعزيز دعمه منذ توليه منصبه في عام 2023. في المقابل، يمثل كارول نافروتسكي، مرشح حزب "القانون والعدالة" القومي المحافظ، البديل الذي يعكس رغبة شريحة كبيرة من الشعب البولندي في الابتعاد عن السياسات الأوروبية السائدة، ويُعد هذا التحول نحو القومية اليمنية المدعومة من الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تهديدًا فعليًا لرؤية توسك الأوروبية.

اختبار ديمقراطي غير مسبوق

تُعد هذه الانتخابات بمثابة اختبار ديمقراطي غير مسبوق، يتطلب من الناخبين اتخاذ قرار مصيري حول ما إذا كانوا سيواصلون السير على النهج الذي وضعه توسك، المتمثل في الحفاظ على استقلالية القضاء وتعزيز الديمقراطية، أو ما إذا كانوا سيختارون دعم تحول بولندا نحو رؤية قومية أكثر تمسكًا بالقيم التقليدية. يشير الدعم الواسع لنوافروتسكي، المدعوم من الحزب الحاكم "القانون والعدالة"، إلى حالة الانقسام في المجتمع البولندي بين مؤيد للانفتاح على أوروبا وآخر يرى في العودة إلى الجذور القومية والهوية التقليدية طريقًا لحماية البلاد من تهديدات خارجية وداخلية.

إضافة إلى ذلك، يشارك في السباق الانتخابي مرشحون من تيارات سياسية مختلفة، بينهم اليميني المتطرف سوافومير منتسن، الذي يقدّم بديلًا آخر لأيديولوجية الحكومة الحالية، وكذلك رئيس البرلمان شيمون هوفنيا من حزب "بولندا 2050" الذي يمثل يمين الوسط، إلى جانب مرشحة من اليسار، ماجدالينا بييات. هذه التعددية السياسية تجعل من الانتخابات البولندية يومًا مشحونًا بالتوترات والتحديات، ويضعها في سياق أوسع من الانتخابات التي تشهدها رومانيا في نفس اليوم.

ضربة للاتحاد الأوروبي


وفيما يتعلق بالجانب الخارجي، يمثل الفوز لأي من المرشحين المتشككين في الاتحاد الأوروبي رسالة واضحة من بولندا إلى باقي أعضاء الاتحاد، خصوصًا في ظل الأزمة الأوكرانية التي تحد من قدرة الاتحاد على التحرك بفعالية. إذا فاز مرشح مؤيد لأوروبا مثل تراسكوفسكي، فإن ذلك يكون انتصارًا لرؤية توسك التي تدافع عن قيم الاتحاد الأوروبي. في المقابل، إذا فاز نافروتسكي، فإن ذلك سيشكل ضربة للاتحاد الأوروبي ويعزز من صعود القوى القومية التي تتبع سياسة ترامب في أوروبا.
الانتخابات في بولندا تُعد نقطة تحول، ليس فقط بالنسبة للبولنديين ولكن أيضًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي ككل. هذه الانتخابات ستكون بمثابة اختبار حقيقي للحدود التي يمكن أن يتحملها الاتحاد الأوروبي أمام تصاعد القومية في الشرق، وتحدد ما إذا كان بإمكان أوروبا الحفاظ على قيمها الليبرالية في مواجهة تيارات متزايدة من الشكوك والانقسامات الداخلية.