اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

اتفاق مؤجل.. مأزق التجارة الحرة بين أستراليا والاتحاد الأوروبي

الاتحاد الأوروبي
محمود المصري -

تمثل المفاوضات التجارية بين أستراليا والاتحاد الأوروبي إحدى أكثر ملفات السياسة التجارية تعقيدًا في السنوات الأخيرة، حيث تمتد جذورها إلى عام 2018، لكنها لا تزال عالقة بسبب مجموعة من الخلافات الجوهرية التي تمزج بين الاعتبارات الاقتصادية والثقافية والسيادية.

أولاً: خلفية الأزمة وسياقها

تسعى أستراليا منذ سنوات إلى إبرام اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، وهو من الأسواق الكبرى القليلة التي لا تربطها بأستراليا اتفاقية من هذا النوع. وتصاعدت أهمية هذه الاتفاقية في ضوء تحولات الاقتصاد العالمي، وخصوصًا بعد اضطراب سلاسل التوريد العالمية بفعل الجائحة، والحرب في أوكرانيا، والحاجة الغربية لتقليل الاعتماد على الصين في المعادن الأساسية التي تُعد حيوية في الصناعات الخضراء والتقنيات العالية.
ورغم وجود اتفاق ثانوي لتعزيز التعاون في قطاع المعادن الأساسية، إلا أن الاتفاق الأشمل ما زال يراوح مكانه، مما يدل على عمق الفجوة بين الطرفين.

ثانيًا: محاور الخلاف الأساسية

الوصول إلى الأسواق الزراعية الأوروبية:
تطالب أستراليا بفتح الأسواق الأوروبية أمام صادراتها الزراعية، خاصة اللحوم ومنتجات الألبان. لكن الاتحاد الأوروبي لا يزال يتحفظ بسبب مخاوف تتعلق بالمنافسة الداخلية، خاصة مع حساسية القطاع الزراعي الأوروبي. وقد عبّر رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، عن استياء بلاده من عدم تجاوب الأوروبيين مع هذه المطالب.


القيود الجمركية على السيارات الأوروبية:

تواجه السيارات الفاخرة القادمة من أوروبا تعريفة جمركية بنسبة 5% في أستراليا. ومع أن هذا البند لم يُذكر صراحةً في تصريحات ألبانيز، إلا أنه من الملفات المعروفة التي تثير حفيظة الأوروبيين خلال المفاوضات.


مسألة التسميات الجغرافية للمنتجات الغذائية (الفيتا، البروسيكو، وغيرها):
هذه النقطة تمثل صدامًا ثقافيًا واقتصاديًا في آن. يطالب الاتحاد الأوروبي بحصر استخدام أسماء معينة على المنتجات المصنوعة داخل مناطقه الجغرافية الأصلية، وفقًا لقواعد "المؤشرات الجغرافية". بالمقابل، تصر أستراليا على استخدام هذه الأسماء باعتبارها جزءًا من تراث المهاجرين الأوروبيين الذين جلبوا وصفاتهم معهم. ويخشى الأستراليون من أن التخلي عن هذه التسميات سيلحق ضررًا بالعلامات التجارية المحلية وذاكرة المهاجرين.

ثالثًا: دلالات التحول في المواقف

رغم أن المفاوضات انهارت في عام 2023 بعد خمس سنوات من المحاولات، فإن زيارة ألبانيز الأخيرة إلى روما ولقائه مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تُشير إلى رغبة سياسية متجددة في كسر الجمود، وإن كانت هذه الرغبة ما تزال تصطدم بـ"تفاؤل حذر"، كما وصفه رئيس الوزراء الأسترالي.
أما من الجانب الأوروبي، فقد عبرت سفيرة الاتحاد لدى أستراليا، جابرييل فيسنتين، عن انفتاح على الحلول الوسط، لا سيما في ملف التسميات الجغرافية، مما يمثل مرونة لم تكن حاضرة في الجولات السابقة. وأكدت فيسنتين أن "النمذجة الاقتصادية" تُظهر فوائد ضخمة للأوروبيين، ما يجعل التوصل إلى اتفاق أكثر إلحاحًا.

رابعًا: أبعاد استراتيجية وراء الاتفاق

ليست هذه المفاوضات محض نزاع تجاري تقليدي، بل تحمل دلالات استراتيجية أوسع:
التحول عن الصين: يسعى الغرب إلى بناء شراكات أكثر موثوقية في مجالات التوريد الاستراتيجي، ما يجعل أستراليا حليفًا طبيعيًا.


تثبيت القيم الغربية: تحدثت فيسنتين عن أن "التجارة الحرة القائمة على سيادة القانون" هي الرد الأمثل على الاضطرابات العالمية، في إشارة ضمنية إلى الاستقطابات الجيوسياسية.

خامسًا: مستقبل الاتفاق – فرص وتحديات


رغم العقبات، فإن الإطار العام يبدو مهيأً لاستئناف المفاوضات خلال الأشهر المقبلة. لكن تحقيق اختراق حقيقي سيتطلب تنازلات متبادلة:
على أستراليا أن تُظهر مرونة في ملفات غير زراعية مثل السيارات والتسميات.


وعلى الاتحاد الأوروبي أن يُعيد النظر في حمايته المفرطة لأسواقه الزراعية.


ويبقى أن الاتفاق لا يمكن أن يُنجز وفق مبدأ "أي اتفاق بأي ثمن"، كما شدد ألبانيز، ما يعني أن الجوانب السياسية والثقافية قد تكون حاسمة بقدر ما هي اقتصادية.