اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

ما الذي يدفع إسرائيل إلى ضم مزيد من أراضي الضفة؟

إسرائيل تواصل قضم أراضي الضفة
خالد الحويطي -

آثار بيوت قديمة وحظائر فارغة ومهدمة وبعض الجيف، هي كل ما قد تراه على طول طريق المنعرجات الذي يصل بين مدينتي رام الله وأريحا شرق الضفة الغربية، بعد أن كانت البيوت البدوية والرعوية تنتشر في محيط القرى والبلدات الفلسطينية، فالبدو الذين تمكنوا لعقود من الوقوف في وجه التضيق الإسرائيلي سواء بالتهجير، أم عبر هدم المنشآت، أم منع البناء ومصادرة الأملاك، ومنع توفير الخدمات والبنية التحتية، لم يعد بمقدورهم مواجهة مزيد من المستوطنيين وبطشهم غير المسبوق، إذ إن الملاحقة التي كانت تطاول عشرات التجمعات البدوية والرعوية التي تبلغ بضع أسر فقط، امتدت لمهاجمة تجمعات رعوية وبدوية يبلغ تعدادها مئات الأسر، كما الحال في تجمع بدو "الكعابنة" الذي يبلغ عدد سكانه نحو 800 نسمة. فما يحصل داخل الضفة الغربية منذ بدء الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ليس مجرد تصاعد حاد في كمية اعتداءات المستوطنين، بل تحول مؤسساتي في دور مجالس المستوطنات، التي باتت تتمتع بصلاحيات واسعة أكثر من قبل، ومساحات عمل تترجم من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بأنها "دفاع عن أرض إسرائيل". وهو ما مكنهم إخلاء مساحات شاسعة من الأغوار وجنوب الخليل من التجمعات البدوية والرعوية، التي كانت تعتمد على استخدام مساحات كبيرة من الأراضي كمراع.

حقوق البدو

ووفقاً لمنظمة "البيدر" للدفاع عن حقوق البدو، تمكن المستوطنون خلال العام الماضي وتحت حماية الجيش، وبواسطة العنف والقيود على التنقل، من تهجير نحو 340 عائلة فلسطينية، من 67 تجمعاً بدوياً ورعوياً في الضفة الغربية، ونفذوا في تصعيد غير مسبوق نحو 3 آلاف اعتداء ضد البدو لترحيلهم قسراً من مناطق سكنهم إلى مناطق أخرى، في عملية تهجير جماعي. وبحسب معطيات مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسليم"، فإن "إسرائيل تمنع الفلسطينيين من استخدام نحو 85 في المئة من مساحة الأغوار وشمال البحر الميت وتستغل هذه المساحة لاحتياجاتها هي، عبر منعهم من المكوث في تلك الأراضي والبناء فيها ورعي أغنامهم وفلاحة أراضيهم الزراعية".

أمن الطاقة

يجمع باحثون ومختصون على أن "إرهاب المستوطنين" الذي تحول تدريجاً بعد السابع من أكتوبر 2023 إلى فعل شبه يومي، لا يمكن فصله عن السياسة الرسمية للحكومة الإسرائيلية وخطتها المعلنة لإنشاء محطات كهرباء في جميع أنحاء الضفة، فعلى ضوء التغيرات في المنطقة وازدياد التهديدات على وقع استمرار الحرب، أقرت الحكومة الإسرائيلية خطة لبناء محطتين لتوليد الطاقة وإنشاء مليوني متر مربع من حقول الطاقة الشمسية الكهروضوئية في الضفة الغربية بصورة غير مسبوقة، إذ أدرجها وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي إيلي كوهين ضمن "قانون التسويات" لعام 2025 أمام الكنيست، كمشروع إصلاحي نوعي لتعزيز أمن الطاقة في قطاع الكهرباء الإسرائيلي، من شأنه أن يساعد الحكومة في تنفيذ سياستها الاقتصادية من خلال الاستفادة من أراضي الضفة لتوفير الكهرباء لإسرائيل والمستوطنات. وبحسب صحيفة "يسرائيل هيوم"، فإن منطقة "جبل المقطم" غرب رام الله، والمنطقة الصناعية "بستاني حيفتس" بالقرب من طولكرم، والمنطقة الصناعية المخطط لها "ناحال رابا" جنوب قلقيلية، ومنطقة "ترقوميا" غربي الخليل، ومنطقة "النبي موسى" جنوب أريحا، ومنطقة "محولة" في شمال غور الأردن هي مواقع محتملة لمحطات الطاقة الإسرائيلية، خصوصاً أنها تقع على طول الخط الأخضر.

جمعيات استيطانية

وبحسب الصحيفة، فإن الخطة أعدتها وناقشتها جمعيات استيطانية وتضمنت تصوراً كاملاً لمستقبل الضفة الغربية، مع إشارة واضحة إلى موضوع الطاقة، وعلى وجه الخصوص الطاقة الشمسية. ونقلت الصحيفة اقتباساً حرفياً من الخطة، جاء فيه أن "تحويل الضفة إلى إمبراطورية طاقة يعني تعزيز دورها في الصناعة، مما سيجعلها جزءاً من إسرائيل بكل معنى الكلمة، بل وسيحولها إلى مركز قوة". وعلى رغم أن القانون الدولي الإنساني يحظر "أي تغييرات ديموغرافية أو اقتصادية تفرضها دولة الاحتلال بهدف استغلال الموارد لصالحها، وينص على أن تلزم دولة الاحتلال بضمان عدم استغلال الموارد الاقتصادية للأراضي المحتلة إلا لصالح السكان المحليين"، إذ أكد الوزير كوهين على أن "هدف اسرائيل المتمثل في تحقيق 30 في المئة من إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في عام 2030 سيتحقق في الضفة الغربية التي ستكون مصدراً للطاقة لجميع أنحاء إسرائيل". ووفق المعلن فإن الطاقة الإجمالية لكلا المحطتين لا تقل عن 1300 ميغاوات، تهدف إلى تلبية احتياجات إسرائيل والمستوطنات، مع احتمال تخصيص جزء من الكهرباء للفلسطينيين.

محطة "نعمة"

وبحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن المخطط الذي جرت الموافقة عليه مطلع العام الحالي، ينسجم مع مخطط حكومي سابق أعطى الضوء الأخضر لمستوطنة "نعمة" شمال أريحا و12 مستوطنة أخرى قبيل الحرب، لبناء محطة للطاقة الشمسية تبلغ مساحتها 3.250 مليون متر مربع، وتصل طاقتها الإنتاجية إلى 320 ميغاوات، في حين أن ما توفره المنشأتان الأكبر اللتين تمت المصادقة عليهما في إسرائيل تبلغ قدرتهما 250 ميغاوات. وإلى جانب ذلك سيتم بناء 21 مرفقاً أصغر للطاقة الشمسية في جميع أنحاء الضفة، التي ستستضيف نحو 8 ملايين متر مربع من المساحة. وبحسب رئيس مجلس مستوطنات غور الأردن دافيد الحياني، فإنه في حال جرى تنفيذ المخططات فإن منشأة الطاقة الشمسية بالأغوار ستجلب فائدة اقتصادية كبيرة للمستوطنات، وأضاف "إنها مورد اقتصادي كبير، ونحن نقدم مساهمتنا كجزء من الجهود المبذولة لتحقيق أهداف توفير الطاقة البديلة، وهذا سيوفر الاستقرار في إمدادات الكهرباء في المنطقة". وبخلاف غالب مشاريع الطاقة الشمسية في إسرائيل والضفة الغربية، التي تكون مزدوجة الاستخدام مبنية فوق مبان قائمة، فإن المشاريع الجديدة تقام على أراض بمساحات شاسعة لا تخدم أغراضاً أخرى. ويرى محللون أن مشاريع الطاقة الشمسية في المستوطنات، إلى جانب أنها ستخدم مخطط توليد الطاقة الكهربائية، فإنها ستعمق اعتماد إسرائيل على البنية التحتية المقامة في المستوطنات، فبدل إنتاج الكهرباء داخل إسرائيل وتوزيعها على المستوطنات كما يجري حالياً، ستصبح المستوطنات مورداً مركزياً للكهرباء في إسرائيل. وبحسب "هآرتس" فإن "قوة إنتاج المنشأة التي ستقام في غور الأردن، هي الأكبر من جميع منشآت الطاقة الشمسية في إسرائيل".

أساليب جديدة

بحسب منظمة "السلام الآن" الحقوقية الإسرائيلية، تقام منشآت الطاقة الجديدة على الأراضي التي أعلن أنها "أراضي دولة" وتعتبر أراضي زراعية، مؤكدة أن أكثر من 99 في المئة من المخططات التي جرت الموافقة عليها لأراضي الدولة في الضفة تخدم المستوطنين. ويرى الخبير في شؤون الاستيطان خليل التفكجي أن "محطات الطاقة الشمسية وحجج استخدام الطاقة النظيفة باتت أحد الأساليب الجديدة التي تستخدمها إسرائيل للسيطرة على مزيد من الأراضي في الضفة الغربية والأغوار لتعزيز الاستيطان"، موضحاً أن "أربعة مشاريع شمالي مدينة أريحا، نفذت بالكامل قرب مستوطنة نعمة". وأردف أن "محطات الألواح الشمسية وإلى جانب أهميتها في تعزيز الاستيطان وسلب الأراضي، ستعمل على تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي من خلال استخدام الكهرباء المولدة في عمليات الزراعة، المبكرة في الشتاء وتقويتها"، مؤكداً أن "المستوطنة التي تقام فيها هذه الألواح ستكون لها ’أفضلية قومية‘ من خلال الإعفاء من الضرائب، وتقديم امتيازات أخرى لرفع عدد المستوطنين في الضفة إلى مليون مستوطن بحلول عام 2030، تطبيقاً لتفاهمات الاتفاق الائتلافي، التي نصت على أن ’الاستيطان في الضفة حق لليهود غير قابل للتصرف".

من جهته يرى الباحث وليد حباس أن "السياسات الإسرائيلية التي تسهم في تعميق اندماج البنية التحتية والصناعات والطاقة والسياحة الداخلية والثقافة بين إسرائيل والضفة، تجعل من إنشاء دولة مستقلة للفلسطينيين أمراً بالغ التعقيد، إذ إن إخلاء مئات الآلاف من المستوطنين سيغدو أمراً أصعب من الناحية العملية". ويضيف أن "المستوطنات والبؤر الرعوية لم تعد مجرد أجندة لليمين الإسرائيلي وحسب، بل جزءاً أساسياً من عمل الدولة ومؤسساتها".

معايير مزدوجة

وفي وقت تشجع فيه إسرائيل مشاريع إنتاج الطاقة الشمسية في المستوطنات كهدف استراتيجي يحكم السيطرة الكاملة على الأغوار ومناطق "جيم"، ويمنع أي تمدد وتواصل فلسطيني. يشن الجيش الإسرائيلي والمستوطنون حرباً على مشاريع الطاقة المتجددة الفلسطينية، إذ يعمدون في غالب الأحيان إلى تدمير منشآت الطاقة الشمسية الصغيرة التي أقامتها تجمعات فلسطينية لتلبية الاحتياجات المحلية، التي عادة ما تكون كافية لشحن الهواتف، ليس فقط لإجبارهم على الرحيل قسراً والتضييق عليهم، بل لتعزيز الهيمنة الإسرائيلية على ملف الطاقة بالكامل واستخدامها كورقة ابتزاز للفلسطينيين.

وذكرت دراسة لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" أن اعتماد الفلسطينيين بصورة شبه كاملة يصل إلى 87 في المئة على الكهرباء المستوردة من شركة الكهرباء الإسرائيلية، "يعزز التبعية الاقتصادية ويثقل كاهل الحكومة الفلسطينية بسبب تحكم الشركة الإسرائيلية في الإمدادات، وعدم توافقها مع الاحتياجات المحلية، خصوصاً أن الطلب الفلسطيني على الكهرباء يزداد بمقدار سبعة في المئة سنوياً". وعلى رغم من المحاولات الرسمية الفلسطينية للاستغناء عن الطاقة الإسرائيلية عبر استيرادها من الأردن أو إنشاء محطة طاقة في جنين، إلا أن اسرائيل تواصل احتكار قطاع الكهرباء في الضفة الغربية، إذ يشكل استهلاك الفلسطينيين نحو 10 في المئة من إجمالي الكهرباء المنتجة في إسرائيل.

وتبلغ فاتورة الكهرباء السنوية التي تحولها السلطة الفلسطينية لشركة كهرباء إسرائيل بين 500 إلى 600 مليون دولار، وتعاني بعض المناطق خصوصاً في الريف والمخيمات انقطاعات متكررة، فضلاً عن عدم قدرة السلطة على التحكم في شبكات النقل والتوزيع. ووفق دراسة حديثة لمعهد "ماس"، فإن الحكومة الفلسطينية تسعى إلى تطوير الإطار التنظيمي والسياسات وتحسين قطاع الطاقة المستدامة وتقليل الاستيراد بنسبة 50 في المئة بحلول 2030، إذ تشير معطيات سلطة الطاقة والموارد الطبيعية لعام 2023 إلى أن إمكانات توليد الطاقة الشمسية في فلسطين تقدر بنحو 4174 ميغاوات، إذ تعد الطاقة الشمسية من أهم مصادر الطاقة المتجددة في فلسطين، وتشكل نحو 63 في المئة من إجمالي الطاقة المتجددة المنتجة وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الذي أشار أيضاً إلى أن معدل الاستهلاك السنوي للفرد الفلسطيني من الكهرباء أقل من 15 في المئة من معدل استهلاك الفرد في إسرائيل. وبينت سلطة الطاقة الفلسطينية أن إنتاج الطاقة الشمسية في الضفة الغربية وقطاع غزة، من ألواح الطاقة الشمسية بلغ في نهاية 2022 نحو 210 ميغاواط، أي ما نسبته أربعة في المئة فقط من استهلاك الطاقة الكهربائية في الضفة والقطاع.

نقاشات داخلية

على رغم أن الضفة الغربية تتميز بعدد ساعات سطوع شمس عالية تقارب 3 آلاف ساعة في العام، وإمكان توليد كميات أكبر للطاقة المتجددة، فإن الإنتاج يقتصر بصورة محدودة على مشاريع الطاقة الشمسية الصغيرة والمتوسطة، فالقيود الجيوسياسية، بما في ذلك تقسيمات أوسلو للأراضي الفلسطينية وصعوبة الاستفادة من المنطقة "جيم" التي تشكل نحو 61 في المئة من مساحة الضفة، وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، خلقت فجوات كبيرة، زادت من تعقيدات هذا القطاع وأعاقت الاستثمار فيه، وفاقمت الأعباء المعيشية على الأسر الفلسطينية، إذ تتأثر أسعار الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية بالتسعيرة الإسرائيلية. وتشهد إسرائيل في الآونة الأخيرة نقاشاً داخلياً حاداً حول مستقبل قطاع الطاقة، خصوصاً بعد تحذيرات رسمية كشفت عنها "القناة 12" الإسرائيلية استناداً إلى وثائق صادرة عن وزارة المالية، من خطر نفاد الغاز الطبيعي في إسرائيل خلال العقود المقبلة، مما قد ينعكس مباشرة على تعرفة الكهرباء.