هدنة حذرة في حرب الرسوم.. اتفاق أمريكي-صيني أولي يخفف التوتر التجاري ويمنح مهلة جديدة للمفاوضات

في خطوة وُصفت بأنها انفراجة أولية في واحدة من أعقد النزاعات التجارية في العصر الحديث، أعلنت الولايات المتحدة والصين، يوم الاثنين، عن اتفاق مبدئي لخفض الرسوم الجمركية المتبادلة، ضمن مسعى لاحتواء الحرب التجارية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي وأربكت أسواق المال منذ اندلاعها.
تفاصيل الاتفاق
بموجب البيان المشترك الصادر من جنيف، والمعلومات التي أدلى بها مسؤولون خلال مؤتمر صحافي، تخفض واشنطن الرسوم الجمركية المفروضة على معظم الواردات الصينية من 145% إلى 30%، بما في ذلك السلع المرتبطة بمادة الفنتانيل، في موعد أقصاه 14 مايو. في المقابل، تخفض بكين الرسوم المفروضة على السلع الأميركية من 125% إلى 10%.
ويمثل الاتفاق مهلة إضافية مدتها 3 أشهر للطرفين لمواصلة المفاوضات المعقدة بشأن الملفات العالقة، والتي تتراوح بين التجارة غير المتوازنة، ونقل التكنولوجيا القسري، وصولاً إلى الأمن القومي وملف الفنتانيل الذي أصبح محورًا رئيسيًا في الحوار الثنائي.
وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسينت، قال إن المناقشات كانت "قوية ومثمرة"، مؤكدًا اتفاق الجانبين على ضرورة تجنّب فك الارتباط الاقتصادي، وهو ما يعكس تحولاً في اللهجة السياسية التي سادت مرحلة التصعيد.
كما كشف البيان المشترك عن آلية جديدة للتواصل الاقتصادي والتجاري المنتظم بين الطرفين، في محاولة لتجنب الانزلاق مجددًا نحو تصعيد جمركي غير منضبط، وأبدى الجانب الأميركي رغبته في أن تفتح الصين أسواقها أمام المزيد من المنتجات الأميركية.
سياق الأزمة
اندلعت الحرب التجارية بين القوتين منذ عام 2018 في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي فرض رسوماً جمركية واسعة النطاق على البضائع الصينية، ردّت عليها بكين بإجراءات مماثلة. وعلى الرغم من توقيع اتفاق "المرحلة الأولى" في يناير 2020، لم تفِ الصين بالتزامات الشراء المنصوص عليها في الاتفاق، فيما واصل العجز التجاري الأميركي مع الصين اتساعه، خاصة خلال جائحة كورونا.
المحاولات المتعددة لـ"تجميد" النزاع باءت بالفشل، حيث تراجعت واشنطن أكثر من مرة عن تفاهمات سابقة، ما أدى إلى حالة من انعدام الثقة. ونتيجة لذلك، استمرت الحرب الجمركية لأكثر من 18 شهرًا، ألحقت خسائر فادحة بالاقتصادات والشركات على جانبي المحيط الهادئ.
الانعكاسات الأولية
الأسواق المالية تفاعلت إيجابيًا، إذ ساعد الاتفاق على تهدئة مخاوف المستثمرين، وارتفعت الأسهم الصينية لتعويض بعض خسائرها الأخيرة.
عائد السندات الأميركية لأجل 10 سنوات ارتفع إلى أعلى مستوى له منذ شهر، ما يعكس انتعاشًا نسبيًا في ثقة السوق.
ومع ذلك، لا تزال الشكوك تحيط بالمدى الزمني والفعلي لهذا الاتفاق المؤقت، خاصة مع غياب وضوح حول الهدف النهائي للمفاوضات، ومدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات حقيقية.
تحليل استراتيجي:
يُنظر إلى الاتفاق كخطوة تكتيكية وليس استراتيجية، تهدف إلى كسب الوقت وتجنب الانهيار الكامل للمحادثات، في ظل التوترات الجيوسياسية الأوسع، سواء في تايوان أو في ملف الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس.
من جهة أخرى، يُوظف الاتفاق سياسيًا من قبل الطرفين:
الولايات المتحدة تسعى لضبط التضخم وخفض أسعار السلع المستوردة قبل الانتخابات.
الصين تواجه تباطؤًا اقتصاديًا داخليًا وتحتاج إلى استقرار الأسواق الخارجية لاستعادة ثقة المستثمرين.