بوادر تهدئة في الحرب الأوكرانية.. مؤشرات على تحول في الموقف الروسي وسط ترقب دولي

في تحول لافت ضمن سياق الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من عامين، برزت مؤشرات جديدة على احتمال حدوث انفراجة سياسية، بعد تصريحات متبادلة من كييف وموسكو تشي باستعداد مبدئي لبحث إنهاء الحرب. فقد صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الأحد عبر حساباته على شبكات التواصل الاجتماعي، بأن "من الإيجابي أن يبدأ الروس أخيراً دراسة فكرة إنهاء الحرب"، لكنه شدد على أن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه يجب أن تكون "وقفاً كاملاً لإطلاق النار".
تأتي تصريحات زيلينسكي في لحظة حرجة من عمر الصراع، إذ تعاني أوكرانيا من استنزاف بشري واقتصادي هائل، وتواجه تحديات في جبهات القتال وفي حشد الدعم العسكري المستدام من شركائها الغربيين. في المقابل، تواجه روسيا عزلة دولية متزايدة وتكاليف باهظة لحربها، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية التي أثّرت على اقتصادها ومكانتها الدولية.
شروط أوكرانية واضحة: وقف فوري ودائم لإطلاق النار
زيلينسكي لم يترك المجال للضبابية، بل أوضح أن بلاده تتوقع من روسيا التزاماً صريحاً بوقف شامل وموثوق لإطلاق النار، يبدأ اعتباراً من اليوم التالي. واعتبر أن "لا جدوى من استمرار القتل ولو ليوم واحد"، وهو تصريح يحمل بُعداً إنسانياً ودبلوماسياً في آن، ويضع موسكو أمام اختبار جدي لصدق نواياها.
هذا التصريح أعقبه تأكيد من وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيها، الذي كتب على منصة "إكس" أن "استعداد روسيا المُعلن لإنهاء الحرب علامة إيجابية"، لكنه شدد على ضرورة "اتخاذ خطوات ملموسة"، محدداً مطلباً أوكرانياً بوقف إطلاق نار لا تقل مدته عن 30 يوماً اعتباراً من 12 مارس، تمهيداً لبدء المحادثات.
بوادر انفتاح لكنها تحتاج للتحقق
في المقابل، أعلن الكرملين أن مقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتفاوض مع أوكرانيا "جدي" ويعكس "نية حقيقية لإيجاد حل سلمي". لكن التصريحات الروسية جاءت فضفاضة نسبياً، ولم تتضمن حتى الآن التزاماً واضحاً بوقف إطلاق النار أو جدولاً زمنياً لأي مبادرة سياسية.
يرى مراقبون أن الخطاب الروسي، وإن أظهر مرونة شكلية، لا يزال محكوماً باعتبارات استراتيجية داخلية وخارجية، لا سيما في ظل التقدم المحدود على الأرض والرغبة في كسب الوقت أو تحسين شروط التفاوض.
سياق دولي داعم للتهدئة
اللافت أن هذه التحركات تأتي في ظل ضغوط دولية متزايدة على الطرفين للانخراط في مسار تفاوضي، خاصة مع تصاعد كلفة الحرب على الأمن الأوروبي، وانشغال حلفاء أوكرانيا، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، في أولويات داخلية وانتخابية قد تقلل من زخم دعمهم المستمر.
من جهة أخرى، يعزز هذا الانفتاح المتبادل – وإن بشكل حذر – فرضية أن الطرفين قد يكونان وصلا إلى نقطة الانهاك الاستراتيجي، ما قد يفتح الباب أمام عملية سياسية إذا توفرت ضمانات دولية ورغبة فعلية من الطرفين.
رغم الإيجابية الحذرة التي تعكسها تصريحات الطرفين، يبقى السؤال المركزي: هل نحن أمام بداية مسار تفاوضي حقيقي لإنهاء الحرب، أم أن ما يُطرح لا يعدو كونه تكتيكاً سياسياً لكسب الوقت أو تحسين المواقع؟
الإجابة عن هذا السؤال ستتوقف على مدى التزام موسكو بوقف إطلاق نار فعلي، وعلى قدرة الوسطاء الدوليين في تحويل المؤشرات الخطابية إلى مسار تفاوضي مستدام.