أمهات غزة بين فكي المجاعة والفقد.. مأساة إنسانية في ظل الإبادة والحصار

تعيش الأمهات في قطاع غزة تحت وطأة أزمة إنسانية متفاقمة، تتشابك فيها عناصر الفقد، والجوع، والنزوح، لتشكل مشهداً يومياً من المأساة المتكررة بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر، وما رافقه من تصعيد عسكري ممنهج منذ أكتوبر 2023، ثم قرار إسرائيل في مارس 2025 بإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، مانعة دخول المساعدات الإنسانية والوقود، ما جعل الحياة في غزة تتراجع إلى مستويات ما دون الحد الأدنى من البقاء.
في قلب هذه الأزمة، تبرز معاناة الأمهات الفلسطينيات كأشد فصول المأساة قسوة. فكل أم في غزة باتت تمثل حكاية صمود، تحمل في طياتها وجع الفقد وصرخات الجوع، وتعيش واقعاً متصدعاً لا يرحم.
جراح مفتوحة لا تندمل
فقدت "أم محمد أبو دقة" زوجها وأحد أبنائها في قصف إسرائيلي على خان يونس. وتجد نفسها اليوم مسؤولة عن سبعة أطفال، جميعهم بحاجة إلى علاج غير متوفر بسبب الحصار، ويعيشون في خيمة تفتقر لأدنى مقومات الحياة. تقول أم محمد:
"نعاني من الجوع ولا يوجد من يعيلنا، اضطررت لطحن المعكرونة لصناعة الخبز بعد نفاد الدقيق."
المشهد لا يقتصر على معاناة غذائية، بل يتعداه إلى انعدام الأمان، وتدهور الرعاية الصحية، والنفسيّة، حيث تعيش الأسرة في عزلة قاسية في ظل تجاهل العالم لمعاناتهم.
النزوح: منازل إلى خيام لا تقي برداً ولا حراً
تشهد قصة "أم أيمن" مشهداً موازياً من الألم، حيث فقدت زوجها وطفلها ومنزلها، واضطرت للعيش في خيمة مصنوعة من النايلون والقماش المهترئ. تشق الأم طريقها يومياً لأميال طويلة لجلب مياه الشرب، وتنام على أمل أن تتوقف الإبادة يوماً. تقول:
"لا يوجد في الخيمة طعام أو شراب، وغير قادرة على مواصلة الحياة بعد الفقد."
خيم النازحين، المنتشرة في جنوب قطاع غزة، لم تعد ملاذاً آمناً، بل تحولت إلى مقابر مؤقتة للكرامة الإنسانية، لا تقي حرارة الصيف ولا برودة الشتاء، بينما تتعرض ساكناتها للقصف والموت البطيء.
صورة جوع مروعة في القرن الحادي والعشرين
تعاني "صابرين أبو دقة"، التي فقدت زوجها وشقيقها، من أوضاع معيشية مأساوية، وتعيش مع أطفالها الخمسة على وجبة واحدة يومياً بالكاد تتكون من المعكرونة. فالمواد الغذائية، بما فيها حليب الأطفال والبسكويت والعصائر، أصبحت ترفاً مفقوداً.
وأم أخرى، فضّلت عدم ذكر اسمها، قالت إنها وضعت مولودها بعد استشهاد زوجها، ليبدأ الطفل حياته يتيماً في خيمة الجوع والخوف. تصف الواقع بعبارة حارقة:
"لا طحين، لا أكل، لا شرب."
هذا الجوع القاتل لم يعد مجرد نقص في المواد الغذائية، بل بات أداة حرب ممنهجة تستهدف المدنيين بشكل مباشر، في خرق صارخ لكل القوانين الدولية والإنسانية.
من أمهات غزة إلى نساء العالم
رسائل الأمهات في غزة تتوجه للعالم، لا سيما لأمهات الشعوب الأخرى، تطالبهم بالضغط على الحكومات، والتحرك لإنهاء الحصار، ووقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المدنيون. تقول أم محمد في رسالتها:
"نناشد أمهات العالم أن يقفن إلى جانبنا، أن يشعرن بنا، أن يطالبن بوقف الإبادة ورفع الحصار."
صمت العالم يفاقم المأساة
بينما يستمر العدوان وتتسع دائرة الفقد والجوع والنزوح، تقف أمهات غزة في خط المواجهة الأول، لا فقط ضد الاحتلال، بل ضد الجوع، والبرد، والحزن، واليأس. ومع استمرار الحصار ومنع المساعدات، تتحول كل لحظة إلى معركة بقاء.
ما يحدث في غزة اليوم ليس فقط أزمة إنسانية، بل اختبار حقيقي لضمير العالم.