اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الكرملين يحتفل بعيد النصر وسط لهيب الحرب.. مفارقات التاسع من مايو بين رمزية الانتصار وواقع الجبهة الأوكرانية

بوتين
محمود المصري -

في مشهد مفعم بالمفارقات السياسية والعسكرية، ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطاباً احتفالياً في الساحة الحمراء بموسكو، بمناسبة الذكرى الثمانين للانتصار على ألمانيا النازية، وسط حضور غير مسبوق من قادة نحو 20 دولة، وذلك في ظل استمرار الحرب المفتوحة مع أوكرانيا التي دخلت عامها الرابع. هذا الحدث الذي لطالما ارتبط لدى الروس بمشاعر الفخر الوطني، تحوّل في السنوات الأخيرة إلى منصة دعائية توظفها موسكو لتبرير حملتها العسكرية الجارية، متذرعة بمصطلحات مثل "اجتثاث النازية" من أوكرانيا.

ورغم إعلان بوتين وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار من 8 إلى 10 مايو، إلا أن الوقائع على الأرض تقول غير ذلك. فقد اتهمت كييف القوات الروسية بخرق الهدنة مئات المرات، في حين أكدت موسكو التزامها بها، مدعية أنها ترد فقط على "الاستفزازات الأوكرانية". هذا التباين في الروايات يعكس تعقيد المشهد العسكري واستمرار العنف دون أفق واضح للتراجع، على الرغم من الدعوات الدولية المتكررة، وآخرها من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الذي طالب بهدنة لمدة ثلاثين يوماً.

رمزية الاحتفال ومحاولة فرض رواية وطنية موحدة

تستغل روسيا هذا اليوم التاريخي ليس فقط للاحتفاء بالماضي، بل لتأكيد سرديتها حول شرعية التدخل العسكري الحالي. فالتاسع من مايو تحول إلى ركيزة أساسية في الخطاب الرسمي الروسي، تُربط فيه انتصارات الحرب العالمية الثانية بالحرب الحالية، رغم الفارق الشاسع بين السياقين التاريخي والسياسي. وتدل مشاركة جنود من 13 دولة وقادة دول حليفة كالصين، والبرازيل، وكازاخستان، وصربيا، وفنزويلا، على سعي موسكو لإظهار أن روسيا ليست معزولة كما تحاول الدول الغربية تصويرها.

هاجس الأمن والردع

لكن خلف بهرج الاحتفالات، هناك شعور عميق بالقلق. فقد فرضت السلطات الروسية إجراءات أمنية استثنائية، منها إلغاء عروض عسكرية في عدة مناطق بسبب تهديدات محتملة بهجمات أوكرانية بالطائرات المسيّرة. كما تم تقنين الوصول إلى الإنترنت لتقليص فرص أي اختراق إلكتروني قد يعكر صفو المناسبة.

موسكو – بكين.. تحالف مصالح لا يخلو من التوترات

وعلى هامش الفعاليات، التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ نظيره الروسي، في رسالة موجهة للغرب تؤكد تحالفاً استراتيجياً متنامياً، رغم الاتهامات الموجهة لبكين بتقديم دعم غير مباشر لموسكو. وإن كانت الصين تنفي تزويد روسيا بالسلاح، إلا أن مؤشرات عديدة تدعم فرضية التعاون الاقتصادي والعسكري غير المعلن، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي.

احتفالات التاسع من مايو هذا العام تكشف التناقض الجوهري في المشهد الروسي: رغبة في إحياء مجد تاريخي لتقوية الجبهة الداخلية، في مقابل واقع عسكري متأزم في أوكرانيا يعكس تآكل الدعم الدولي وتزايد التحديات اللوجستية والسياسية. وبينما ترفع موسكو أعلام النصر في الساحة الحمراء، تتواصل المعارك في الشرق الأوكراني، في تذكير صارخ بأن الحرب لا تزال بعيدة عن نهايتها.