اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

القيود الأمريكية على باكستان.. لماذا لا تستطيع إسلام آباد استخدام طائرات F-16 ضد الهند؟

طائرات F-16
محمود المصري -

في ظل تصاعد التوتر العسكري بين الهند وباكستان، تعود إلى الواجهة تساؤلات حول حدود القوة الجوية الباكستانية، وتحديدًا بشأن مدى قدرة إسلام آباد على استخدام طائراتها من طراز F-16 الأمريكية في مواجهة خصمها الإقليمي التقليدي. وفي حين أعلنت باكستان مؤخرًا إسقاط خمس طائرات هندية ردًا على غارة جوية هندية، أثار هذا التصعيد الكثير من الجدل حول ما إذا كانت الطائرات المستخدمة في هذه العمليات تشمل مقاتلات F-16 الأمريكية، وهو ما يلقي الضوء على القيود السياسية والعسكرية التي تفرضها واشنطن على حلفائها بشأن استخدام الأسلحة الأمريكية.


في تغريدة للمحلل المتخصص في شؤون جنوب آسيا، مايكل كوجلمان، على منصة X (تويتر)، أوضح أن الضربات المتبادلة بين الهند وباكستان قد بلغت مستوى من التصعيد غير مسبوق منذ أزمة عام 2019، معتبرًا أن الرد الباكستاني – سواء شمل طائرات F-16 أم لا – كان أكثر شدة واتساعًا من المرات السابقة.

اتفاقيات صارمة


لكن الواقع الميداني والسياسي يحمل تعقيدات أبعد من مجرد عدد الطائرات أو طبيعة الردود العسكرية. فعلى الرغم من أن باكستان تمتلك حوالي 75 طائرة من طراز F-16 ضمن قوتها الجوية البالغ عددها نحو 410 مقاتلات، إلا أن استخدامها مقيد باتفاقيات صارمة أبرمتها مع الولايات المتحدة. تنص هذه الاتفاقيات على أن طائرات F-16 الباكستانية يجب أن تُستخدم حصريًا في مهام مكافحة الإرهاب، وبشكل خاص في سياق العمليات المرتبطة بأفغانستان، وليس في نزاعات تقليدية ضد دول، وعلى رأسها الهند.

هذه الشروط لم تأتِ من فراغ، بل تعكس موازين الجغرافيا السياسية التي تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى موازنة علاقاتها مع كل من الهند وباكستان. فالهند اليوم تمثل شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وخاصة في سياق احتواء النفوذ الصيني. من هنا، فإن أي استخدام باكستاني لطائرات F-16 ضد الهند يُنظر إليه في واشنطن على أنه تهديد لهذه التوازنات.


وعلى الرغم من وجود بند ما يُعرف بـ "اتفاق المستخدم النهائي"، الذي يفرض هذه القيود، إلا أن تطبيقه القانوني ليس محكمًا. وقد صرّح مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية، ممن تولوا ملف باكستان خلال إدارة جورج دبليو بوش، بأن هذه الاتفاقات لا تحمل قوة قانونية ملزمة فعليًا. إلا أن تجاهلها قد يؤدي إلى ردود فعل سياسية وعسكرية أمريكية، مثل تعليق توريد قطع الغيار، أو وقف الدعم الفني، أو حتى فرض عقوبات على باكستان.

قيود أمريكية

وقد حدث ذلك بالفعل في عام 2019، حين اُتهمت باكستان باستخدام طائرات F-16 في غارات على مواقع هندية في إقليم كشمير. حينها أثيرت تساؤلات حول التزام باكستان ببنود الاتفاق، إلا أن الولايات المتحدة اكتفت بالتعبير عن القلق دون اتخاذ إجراءات عقابية صارمة، ما يؤكد الطابع السياسي لتلك الاتفاقيات أكثر من كونه قانونيًا بحتًا.


في المحصلة، يمكن القول إن القيود المفروضة على استخدام طائرات F-16 ليست فقط مسألة فنية أو قانونية، بل تعكس حسابات جيوسياسية دقيقة، حيث تسعى واشنطن لضبط سلوك شركائها الإقليميين بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية، وتحديدًا في جنوب آسيا. وبالنسبة لباكستان، فإن امتلاكها لطائرات F-16 لا يعني بالضرورة قدرتها على استخدامها بحرية كاملة، خاصة في صراع تقليدي مباشر مع الهند، ما يفرض عليها الاعتماد بشكل أكبر على طائرات أخرى أو تطوير بدائل محلية، تحرر قرارها العسكري من القيود الأجنبية.