اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

إغلاق مدارس الأونروا في القدس.. تصعيد خطير لاستهداف التعليم وتصفية قضية اللاجئين

التعليم في فلسطين
محمود المصري -

في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، يوم الخميس، على اقتحام وإغلاق ست مدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مدينة القدس، ما أجبر مئات الطلبة والطواقم التعليمية والإدارية على مغادرة المدارس بشكل فوري، وسط حالة من الذعر والخوف الشديد.


تشير المعطيات إلى أن هذه العملية ليست حدثاً عابراً، بل تمثل جزءاً من سياسة ممنهجة تستهدف المؤسسات التعليمية الفلسطينية، وخصوصاً تلك التابعة للأونروا، في سياق محاولة واضحة لإضعاف حضور الوكالة الأممية في القدس كرمز قانوني وإنساني لحق اللاجئين، وبما يهدد مباشرة مصير ما يزيد عن 800 طالب وطالبة.


خلفية قانونية وأبعاد سياسية


جاء هذا التصعيد بعد إقرار الكنيست الإسرائيلي، في أكتوبر 2024، قانوناً يمنع نشاط الأونروا داخل إسرائيل، ويشمل ذلك القدس الشرقية التي تعتبر قانوناً جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة وفق قرارات الشرعية الدولية. ومنذ ذلك الحين، بدأت سلطات الاحتلال بسلسلة إجراءات تهدف لتفريغ المدينة من أي وجود أممي داعم للقضية الفلسطينية، وعلى رأسها قضية اللاجئين.
القرار العسكري الذي نُفذ في 8 أبريل 2025، ويشمل ثلاث مدارس في مخيم شعفاط، وأخرى في كل من صور باهر، سلوان، ووادي الجوز، يمنع دخول أي شخص إلى هذه المؤسسات بعد تاريخ 8 مايو 2025، بما في ذلك الكادر الإداري والتعليمي وأولياء الأمور، ما يعني عملياً شلّ العملية التعليمية بشكل تام.


تداعيات إنسانية وتعليمية


تسببت هذه الإجراءات في صدمة عميقة لدى الطلبة وأسرهم، حيث قطعت العملية التعليمية بشكل مفاجئ وفي منتصف الفصل الدراسي، دون أي بدائل، وهو ما وصفته الأونروا بأنه "تجربة صادمة للأطفال"، محذرة من أن هذا القرار "يحرم 800 طفل من حقهم في التعليم، ويشكل انتهاكًا صارخًا للحماية القانونية التي تكفلها الاتفاقيات الدولية".


وقد اضطرت الأونروا، نتيجة لتصاعد التهديدات الأمنية، إلى إغلاق المدارس الست بشكل مؤقت "حفاظاً على سلامة الطلاب"، رغم إدراكها لحجم الضرر الأكاديمي والنفسي الذي سيلحق بهؤلاء الأطفال.


أبعاد استراتيجية.. تهجير ناعم وتصفية رمزية


لا يمكن فصل هذا التصعيد عن السياق الأوسع للسياسة الإسرائيلية في القدس، والمتمثلة في تفريغ المدينة من مؤسساتها الوطنية، ومن سكانها الفلسطينيين تدريجياً. فتقييد عمل الأونروا، خصوصاً في مجال التعليم، ليس مجرد خطوة إدارية، بل يمثل محاولة لإعادة تشكيل الوعي الجمعي الفلسطيني، عبر تغييب الرموز التعليمية الوطنية، وفرض بدائل إسرائيلية تتماهى مع الرواية الصهيونية.
ويأتي هذا ضمن سياسة "التهجير الناعم"، التي تشمل مضايقات قانونية وإدارية واقتصادية بحق الفلسطينيين في القدس، والتي تسعى إلى إضعاف تمسكهم بالمدينة، وصولاً إلى طمس هويتها العربية والإسلامية.

ردود فعل فلسطينية ودولية


أدانت محافظة القدس، في بيان رسمي، ما وصفته بـ"الاعتداء السافر على حق التعليم"، معتبرة أن ما حدث يندرج ضمن تصعيد إسرائيلي خطير ضد المؤسسات التعليمية الفلسطينية، وتحديدًا الأممية منها، في محاولة لتصفية قضية اللاجئين عبر تقويض دور الأونروا.
كما دعت الأونروا والأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وجميع المنظمات الحقوقية إلى التحرك الفوري والضغط على الاحتلال لوقف هذه الانتهاكات، وإعادة فتح المدارس دون قيد أو شرط، مؤكدة أن التعليم حق غير قابل للتفاوض.


أما الشارع المقدسي، بما فيه القوى الوطنية والمجتمع المدني، فقد عبّر عن رفضه القاطع لهذه الإجراءات، وأكد على ضرورة الدفاع عن المؤسسات التعليمية، وعلى أن "الاحتلال لن ينجح في طمس الوعي أو تهويد التعليم"، وسط دعوات لتنظيم وقفات احتجاجية وتصعيد الحراك الشعبي.


ما يجري في القدس ليس فقط استهدافًا لمؤسسات تعليمية، بل هو جزء من معركة شاملة على الذاكرة والهوية والوجود الفلسطيني. والتعليم، بصفته أحد أعمدة الصمود، بات هدفًا مباشرًا في هذه الحرب الصامتة. إغلاق مدارس الأونروا هو محاولة لتجفيف منابع الوعي الفلسطيني، ونسف أحد آخر الجسور التي تربط اللاجئ بحقه في العودة.