قراءة تحليلية.. الصين وروسيا في مواجهة الغرب: مصالحنا خط أحمر

تمثل الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينج إلى موسكو في 8 مايو 2025 لحظة فارقة في تطور التحالف الصيني-الروسي، خاصة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية على خلفية الحرب في أوكرانيا والتنافس المحتدم مع الولايات المتحدة والغرب. جاءت الزيارة ضمن إطار رمزي وسياسي، إذ تزامنت مع احتفالات الذكرى الثمانين لـ"يوم النصر" الذي تحرص روسيا على توظيفه لتعزيز سرديتها التاريخية والانتصارية في مواجهة ما تعتبره محاولات غربية لإضعافها.
المحاور الرئيسية للزيارة:
1. التأكيد على التحالف الاستراتيجي:
أبرز ما ورد في تصريحات الرئيسين هو التأكيد على متانة العلاقات الثنائية، وتوصيفها بأنها "أكثر ثقة واستقراراً ومرونة في العصر الجديد"، بحسب وصف شي جين بينج. وبالنسبة لروسيا، التي تجد نفسها في عزلة غربية متزايدة، فإن الدعم الصيني يمثل مظلة سياسية واقتصادية حيوية، بينما ترى بكين في موسكو شريكاً استراتيجياً في صياغة نظام عالمي بديل عن الهيمنة الغربية.
2. رسائل موجهة إلى الغرب:
جاء في تصريح شي أن البلدين سيعملان معاً لحماية "هيبة الأمم المتحدة" والدفاع عن مصالح الدول النامية ضد "الأحادية والتنمر"، في إشارة ضمنية إلى السياسة الأميركية. هذا الطرح يعكس تبني الصين وروسيا لخطاب مشترك ينتقد هيمنة واشنطن، ويؤكد سعيهما لخلق نظام دولي متعدد الأقطاب. كما شدد شي على ضرورة تعزيز "المنظور التاريخي الصحيح للحرب العالمية الثانية"، في رسالة واضحة ضد محاولات غربية لإعادة قراءة التاريخ بشكل يتقاطع مع المصالح الروسية.
3. البعد الرمزي والعسكري للزيارة:
المشاركة الصينية في العرض العسكري بيوم النصر تُعد سابقة ذات دلالة استراتيجية. فرغم دعوة أوكرانيا للدول إلى مقاطعة العرض، فإن بكين أرسلت قوات رمزية، وهو ما يمكن تفسيره كإعلان دعم ضمني للموقف الروسي في الحرب، دون خرق صريح لمبدأ الحياد الذي تحاول الصين التمسك به دبلوماسياً. كما أن مرافقة الطائرات الحربية الروسية لطائرة شي جين بينج لحظة دخولها المجال الجوي يضيف بُعداً رمزياً إلى عمق الشراكة.
4. الصراع في أوكرانيا وتحركات الوساطة:
رغم دعمها المعلن لضرورة التفاوض والحل السلمي، لم تقدم الصين خطوات ملموسة تؤثر على الموقف الروسي. دعوة شي لإنهاء الحرب، وانتقاده للدور الأميركي في "تأجيج الصراع" بإرسال الأسلحة إلى كييف، تعكس انحيازاً ضمنياً لروسيا. في المقابل، يبقى التوتر قائماً بين أوكرانيا والصين، خصوصاً بعد تجاهل بكين لدعوات زيلينسكي باستخدام نفوذها للضغط على الكرملين.
السياق الدولي
تأتي هذه الزيارة في وقت حرج يشهد فيه النظام الدولي تصدعاً واضحاً، ومحاولات متزايدة لإعادة رسم موازين القوى. فمع دخول الولايات المتحدة مرحلة انتخابية، وتحركات الرئيس الأميركي دونالد ترمب للوساطة في أوكرانيا، تحاول الصين وروسيا استغلال لحظة الارتباك الغربي لصالح تعزيز مشروعهما في "توازن قوى عالمي جديد".
زيارة شي جين بينج إلى موسكو ليست مجرد حدث بروتوكولي أو مشاركة احتفالية، بل تمثل استعراضاً مدروساً لقوة التحالف بين أكبر قوتين تنافسان الغرب. من خلال هذه الزيارة، ترسل بكين وموسكو رسائل حازمة بأنهما ماضيتان في بناء نظام عالمي مختلف، قائم على الشراكة الاستراتيجية ومفهوم السيادة بمعزل عن الضغوط الغربية. ورغم حرص الصين على الظهور كوسيط محايد، فإن الحقائق الميدانية تشير إلى انحياز محسوب، يخدم مصالحها طويلة المدى في صراع الهيمنة العالمية.