اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

بين رمزية النصر واستمرار القصف.. أوكرانيا تتهم موسكو باستغلال الذكرى التاريخية للتغطية على عدوانها

احتفالات النصر
محمود المصري -

في خطاب له بمناسبة مرور 80 عاماً على الانتصار على ألمانيا النازية، استخدم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رمزية هذه الذكرى التاريخية للتأكيد على ضرورة توحيد الجهود الدولية لمواجهة ما وصفه بـ"الشر الروسي". هذا الخطاب، الذي نُشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن مجرد تذكير بتاريخ الحرب العالمية الثانية، بل جاء محملاً برسائل سياسية واضحة تستنكر التصرفات الروسية وتربط الماضي بالحاضر، حيث رأى زيلينسكي في الغزو الروسي امتداداً لعدوانية إمبريالية تتخفى خلف شعارات النصر التاريخي.
ووصف زيلينسكي الاحتفالات الكبرى التي ينظمها الكرملين في موسكو بمناسبة "عيد النصر" بأنها "استعراض للوقاحة" و"الأكاذيب"، ملمحاً إلى توظيف السلطة الروسية للحدث التاريخي كغطاء لتبرير سياساتها الحالية، لا سيما في أوكرانيا.

التصعيد الميداني رغم إعلان وقف إطلاق النار


وبينما أعلنت موسكو من طرف واحد وقفاً لإطلاق النار لمدة 72 ساعة، اعتباراً من منتصف ليل الأربعاء، تزامناً مع عيد النصر الروسي في 9 مايو، فإن التطورات الميدانية شككت في جدية هذا الإعلان. فبحسب ما أفادت به القوات الجوية الأوكرانية، شنت روسيا صباح الخميس هجمات جوية جديدة على منطقة سومي شمال أوكرانيا، مستخدمة قنابل موجهة، فيما تم تسجيل نشاط مكثف للطيران الحربي في الجهة الشرقية.
في المقابل، أفادت مصادر روسية، منها حاكم منطقة ليبيتسك، عن تعرض مناطق روسية لهجمات بالطائرات المسيَّرة، في مؤشر على استمرار حالة التوتر المتبادل، رغم الإعلان الأحادي الجانب من موسكو.
لكن، حتى لحظة كتابة هذا التحليل، لم تتوفر تأكيدات مستقلة للتحقق من مزاعم الطرفين، وهو ما يعكس أيضاً تعقيد المشهد الإعلامي في ظل الحرب، واستخدامه كجزء من أدوات الصراع.


رد أوكرانيا والدعوة إلى هدنة أطول


رداً على ما اعتبرته "مبادرة رمزية" من قبل روسيا، جدد الرئيس زيلينسكي دعوته إلى هدنة حقيقية تمتد لما لا يقل عن 30 يوماً، مطالباً بموقف دولي أكثر حزماً تجاه التصعيد الروسي. وفي خطابه المسائي الأربعاء، شدد زيلينسكي على أن بلاده ما زالت على استعداد لوقف إطلاق النار، لكنه اتهم موسكو بعدم إظهار أي نية حقيقية لذلك، بل وبتكثيف هجماتها في وقت يفترض أن يكون مكرساً للسلام، لا لمزيد من العدوان.

خلفية الصراع وسياقه الرمزي


تخوض أوكرانيا حرباً دفاعية منذ أكثر من ثلاث سنوات ضد الغزو الروسي الذي بدأ في فبراير 2022. ويتزامن تجدد القصف مع مناسبة حساسة في الذاكرة الروسية والعالمية، وهي ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا، مما يزيد من البعد الرمزي والسياسي لهذه المرحلة. ففي حين تُحيي روسيا "عيد النصر" كمناسبة وطنية كبرى، ترى أوكرانيا أن موسكو تحاول من خلالها إعادة إنتاج خطاب المنتصر الأخلاقي في سياقٍ يتناقض تماماً مع القيم التي رُفعت في وجه النازية قبل ثمانية عقود.


إن ما يظهر من تداخل بين التاريخ والسياسة والعسكرة في خطاب زيلينسكي وردود الفعل الروسية يؤكد أن النزاع لم يعد فقط صراعاً جغرافياً أو أمنياً، بل أصبح صراعاً على المعاني والرموز، حيث تسعى كل من كييف وموسكو إلى تأطير الحرب ضمن سرديات أيديولوجية وتاريخية تستجلب الدعم الداخلي والدولي. وبينما تدعو أوكرانيا إلى هدنة طويلة واستعادة السيادة، تواصل روسيا استخدام الأدوات الرمزية والميدانية لتكريس أمر واقع بالقوة. فالميدان لا يزال ملتهباً، والذاكرة التاريخية تتحول إلى ساحة أخرى من ساحات الاشتباك.