اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

ترامب يُبدد قواعد البروتوكول.. كيف تحوّلت لقاءات القادة الأجانب في البيت الأبيض إلى مواجهات عالية المخاطر؟

ترامب
محمود المصري -

منذ عودته إلى البيت الأبيض، لا يكتفي الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستقبال الزعماء الأجانب على غرار أسلافه، بل يحوّل لقاءاته معهم إلى مشاهد سياسية مثيرة، تُقلب فيها الطاولة على أعراف الدبلوماسية المعهودة. فبينما كان يُنظر إلى المكتب البيضاوي في السابق على أنه منصة هادئة للتصريحات المنضبطة والتقاط الصور الرسمية، أصبح تحت إدارة ترامب أقرب إلى "ساحة مواجهة إعلامية"، تحكمها مفاجآت الرئيس وتفاعلاته غير المتوقعة.


في أول مئة يوم من ولايته الجديدة، استقبل ترامب 16 زعيماً أجنبياً، متفوقاً على أوباما وبايدن في نفس الإطار الزمني. غير أن الوتيرة المرتفعة لهذه اللقاءات لم تكن هي العنصر الأكثر لفتاً للانتباه، بل طبيعتها المختلفة، التي بدت كما لو أنها مأخوذة من برنامج واقعي سياسي، لا من تقاليد دولة عظمى.


لقاء ترامب الأخير مع رئيس الوزراء الكندي الجديد، مارك كارني، شكّل نموذجاً صارخاً لهذا التحول. فقد استغل ترامب المؤتمر الصحافي ليطرح، مجدداً، رغبته في "ضم كندا" إلى الولايات المتحدة، واصفاً الحدود بين البلدين بأنها "مجرد خط تقديري". تصريح بدا أقرب إلى المزاح، لكنه حمل نبرة استعلائية دفعت كارني، القادم بدعم من تيار مناهض لترامب، للرد بحزم: "بعض الأماكن لا تُباع أبداً".

مبارزات كلامية

هذا النوع من "المبارزات الكلامية" لم يكن مألوفاً في تاريخ اللقاءات الثنائية الأميركية. وبحسب وكالة "أسوشيتد برس"، فإن ما يقوم به ترامب هو "تغيير قواعد اللعبة"؛ إذ أصبحت اللقاءات اختباراً علنياً لشخصية القادة الأجانب: إما أن يرضخوا لخطاب ترامب الشعبوي وإدارته غير المتوقعة، أو يواجهوه في العلن، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات.


النهج الذي يتبعه ترامب يبدو جذاباً لمؤيديه، الذين يرونه زعيماً "لا يُجامل"، لكنه أربك الدبلوماسيين الذين اعتادوا على أسلوب أكثر تحفظاً وتدرجاً. سفير إيرلندا السابق لدى واشنطن، دانيال مولهل، وصف التعامل مع ترامب بأنه "مليء بالمخاطر" بسبب انحرافه عن الأعراف، و"غياب القواعد".

حتى الزعماء المعتادون على الحضور الإعلامي المكثف، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو رئيس السلفادور نجيب بوكيلة، وجدوا أنفسهم في موقف دقيق. البعض، مثل ماكرون، لجأ إلى التصحيح اللطيف في العلن، بينما فضّل آخرون اتباع مسارات دبلوماسية لتفادي التصعيد، كما فعل ملك الأردن في تعقيبه على مقترحات ترامب بشأن غزة.


لكن المواجهة الأكثر احتداماً جاءت خلال لقاء ترامب بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. فبدلاً من إظهار الدعم الكامل لحليف في حرب مفتوحة مع روسيا، شكك ترامب في قدرات زيلينسكي، بل ذهب حدّ تذكيره بأن "الولايات المتحدة تملك الأوراق"، في لهجة قريبة من التوبيخ العلني.

وهج إعلامي

ولعل أخطر ما في هذه اللقاءات، بحسب تحليل "أسوشيتد برس"، ليس فقط طابعها الصاخب أو خرقها للعرف، بل تأثيرها المحتمل على مواقف الحلفاء، الذين قد يترددون في مواجهة ترامب أو حتى زيارته. ورغم أن تفادي لقاء مع الرئيس الأميركي أمر صعب، خاصة لدول تعتمد على واشنطن أمنياً أو اقتصادياً، فإن القادة باتوا يدرسون جيداً كيف يظهرون أمام كاميراته، أكثر من اهتمامهم بنتائج الاجتماعات ذاتها.


المفارقة أن ترامب، رغم هذا الأسلوب غير المسبوق، يتمتع بقدرة فائقة على فرض حضوره. فهو يسيطر على الحوار، يوجه رسائل مباشرة إلى الداخل والخارج، ويحوّل كل لحظة إلى عرض إعلامي. وبينما ترى إدارة البيت الأبيض الحالية أن هذه الشفافية تتيح للمواطنين متابعة السياسة الخارجية بشكل مباشر، يعتبرها المراقبون دليلاً على "اختطاف" الدبلوماسية لصالح استعراض شخصي.


لا يبدو أن لقاءات ترامب مع الزعماء الأجانب مجرد مناسبات دبلوماسية بروتوكولية، بل هي مشاهد مختارة بعناية لتصنع سرديته أمام ناخبيه، وترسم ملامح مرحلة جديدة من السياسة الخارجية الأميركية: سياسة لا تتردد في الصدام، ولا تعبأ كثيراً بردود الفعل لكنها، في المقابل، تزرع قدراً كبيراً من الترقب والخوف لدى كل من يقرر عبور عتبة المكتب البيضاوي.