وساطة مصرية قطرية تبحث عن نافذة أمل لحل مأساة غزة

في مشهد إقليمي تتقاطع فيه الأزمات مع الأدوار الدبلوماسية، أكدت مصر وقطر، في بيان مشترك صدر اليوم الأربعاء، استمرار جهودهما الحثيثة للوساطة في سبيل وضع حد للمأساة الإنسانية غير المسبوقة التي يشهدها قطاع غزة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي المتواصل. البيان يعكس توافقاً استراتيجياً بين القاهرة والدوحة، وحرصاً مشتركاً على تنسيق الجهود مع واشنطن، التي ما زالت تمارس نفوذها السياسي الكبير على أطراف الصراع، رغم ما يُثار حول تراجع أولوياتها في المنطقة.
جهود مستمرة
وأوضح البيان أن الجهود "مستمرة ومتسقة"، وتستند إلى "رؤية موحدة" تهدف إلى إنهاء الأزمة الإنسانية، وسط إشارات واضحة إلى محورية حماية المدنيين كأولوية تفاوضية. هذا الموقف يأتي في وقت تشهد فيه غزة انهياراً شبه تام للبنية التحتية، وتفاقماً في أوضاع اللاجئين، وسط استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية التي لم تميز بين أهداف عسكرية ومدنية.
وتكتسب الوساطة زخماً خاصاً قبيل زيارة مرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المنطقة منتصف الشهر الجاري، حيث من المتوقع أن تشمل السعودية، وقطر، والإمارات. وقد أكد المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، أن المشاورات جارية بشكل شبه يومي مع مسؤولين من الدول الثلاث المعنية بالوساطة: مصر، وقطر، وإسرائيل. وهو ما يعكس استمرار الرهان الأميركي على دبلوماسية الظل، وإن بدا أن تأثيرها على الأرض محدود حتى الآن.
جولة مفاوضات جديدة
في السياق ذاته، كشفت مصادر دبلوماسية أن القاهرة قد وجهت دعوة جديدة إلى الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة "حماس"، لعقد جولة مفاوضات جديدة خلال الأيام القليلة المقبلة، في محاولة لإحياء مسار الهدنة. الدعوة المصرية تأتي رغم إدراك القاهرة لتعقيدات المشهد الفلسطيني الداخلي، والانقسامات القائمة، التي تُصعّب الوصول إلى موقف موحد يُمكّن من دفع عملية التفاوض إلى الأمام.
الدوحة من جانبها أكدت على لسان وزارة خارجيتها أن "جهود الوسطاء مستمرة"، رغم "صعوبة الموقف"، في إشارة إلى استمرار الحصار، والتصعيد الإسرائيلي، وتدهور الظروف المعيشية في غزة. وتُعد قطر ومصر من أبرز الفاعلين الإقليميين الذين حافظوا على قنوات اتصال مفتوحة مع كل من إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وهو ما يمنحهما دوراً محورياً لا يمكن تجاوزه.
انقسام دولي
لكن رغم الجهود المتواصلة، تبقى التساؤلات قائمة حول جدوى هذه الوساطات في ظل التعنت الإسرائيلي، والتشظي السياسي الفلسطيني، والانقسام الدولي بشأن آليات المحاسبة والحماية. فكل تقدم هش على طاولة التفاوض قد ينهار أمام قصفٍ مفاجئ أو عملية عسكرية محدودة قد تشعل الميدان مجدداً.
إن استمرار التنسيق بين مصر وقطر، بالتوازي مع الضغط الأميركي، قد يُبقي الأمل قائماً في التوصل إلى هدنة مؤقتة، أو على الأقل إلى اتفاقات جزئية تخفف من حدة الأزمة الإنسانية. غير أن هذا المسار يظل مشروطاً بمدى استعداد الأطراف، لا سيما إسرائيل، لتقديم تنازلات حقيقية تتجاوز حدود الاعتبارات الأمنية، لتلامس جوهر القضية: حقوق الشعب الفلسطيني، وحقه في الحياة الكريمة، والأمن، والسيادة.