اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

عشر سنوات إلى الجحيم.. قلق عالمي من حرب عالمية ثالثة

حرب عالمية
محمود المصري -

في مشهد يعكس القلق المتصاعد من عودة شبح الحروب الشاملة، كشف استطلاع جديد للرأي أجرته مؤسسة «يوغوف» البريطانية عن تصاعد المخاوف لدى الأميركيين والأوروبيين الغربيين من اندلاع حرب عالمية ثالثة خلال العقد المقبل. الأرقام، وإن كانت صامتة، تحمل دلالات عميقة على هشاشة النظام الدولي المعاصر، وتضاؤل الثقة الشعبية في قدرة التحالفات العسكرية والدبلوماسية على منع انفجار شامل.

مؤشر نفسي لأزمة نظام عالمي

وفق نتائج الاستطلاع، يرى ما بين 41% و55% من المواطنين في خمس دول أوروبية رئيسية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا) أن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة "مرجّح جداً أو محتمل". هذا الشعور يتشارك فيه 45% من الأميركيين، ما يشير إلى وعي جمعي متزايد بخطورة المرحلة الجيوسياسية الراهنة.
هذا القلق لا يأتي من فراغ؛ بل يرتبط بتراكمات صراعات دولية، أهمها الحرب في أوكرانيا وتوسع النفوذ الروسي، إضافة إلى المنافسة المتفجرة بين القوى الكبرى، وتراجع فعالية المؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن والأمم المتحدة، في حل النزاعات بشكل عادل ومستدام.

سيناريوهات الكارثة الكاملة

ما يضاعف حدة المخاوف أن نسبة تتراوح بين 68% و76% من المستطلعين يتوقّعون أن تشمل الحرب المقبلة استخدام الأسلحة النووية، مما يُنذر بسيناريو "نهاية العالم" الذي طالما طُرح في أدبيات الحروب منذ الحرب الباردة. كما يعتقد ما بين 57% و73% من المشاركين أن هذه الحرب ستخلف خسائر بشرية تفوق ما خلفته الحرب العالمية الثانية، والتي راح ضحيتها أكثر من 70 مليون شخص، بل يرى 25% إلى 44% أنها قد تؤدي إلى "إبادة جماعية" تطال معظم سكان الكوكب.
هذه التوقعات تعبّر عن أزمة ثقة عميقة، ليس فقط في النظام الدولي، بل في قدرة البشرية على تفادي تكرار الكوارث.

معادلة الأمن الأوروبي


واحدة من المفارقات التي يكشفها الاستطلاع أن الشعور بالتهديد لا يقتصر على روسيا، والتي يعتبرها بين 72% و82% من الأوروبيين، و69% من الأميركيين، السبب الأكثر احتمالاً لاندلاع الحرب العالمية الثالثة، بل يشمل أيضاً الولايات المتحدة نفسها. ففي إسبانيا (58%)، ألمانيا (55%)، وفرنسا (53%) يرى معظم المستطلعين أن التوترات مع واشنطن تمثل تهديداً متوسطاً أو كبيراً للسلام في أوروبا.
هذا التبدل في المزاج العام الأوروبي يعكس خيبة متزايدة من سياسات الولايات المتحدة الخارجية، لا سيما منذ عهد دونالد ترامب الذي عزز فكرة "أميركا أولاً"، وشكك علناً في جدوى الناتو، ما زعزع صورة التحالف الغربي التقليدي.

ضعف الثقة بالجيوش الوطنية

ورغم توقع معظم المشاركين (66% إلى 89%) انخراط بلدانهم في أي حرب مقبلة، إلا أن أقل من نصفهم فقط، (16% إلى 44%)، يثقون بقدرة جيوشهم على حماية البلاد. هذا التناقض بين الإحساس بالخطر وعدم الإيمان بالقدرة الدفاعية يعكس أزمة استراتيجية عميقة، تتطلب إعادة النظر في طبيعة الجيوش الأوروبية، وفاعلية تسليحها، وسرعة استجابتها.


أزمة عالمية تتجاوز مجرد القلق الشعبي


تتجاوز نتائج الاستطلاع مجرد تسجيل مواقف شعبية، لتشكّل إنذارًا مبكرًا بمستوى القلق الجماعي من هشاشة السلام العالمي. فالعالم اليوم يقف على مفترق طرق تاريخي، حيث تزداد التوترات، وتُهمّش الدبلوماسية، وتُحشد الأسلحة في كل زاوية من الكوكب. من شرق أوروبا إلى بحر الصين الجنوبي، ومن الشرق الأوسط إلى المحيط الهادئ، باتت خطوط النار متقاربة، والمصالح متضاربة، بينما تغيب الثقة بين القوى الكبرى، وتتعثر كل محاولات الإصلاح الأممي.

تحذير أم نبوءة

إن القلق الشعبي الذي رصده هذا الاستطلاع يجب ألا يُنظر إليه كمجرد "تشاؤم جماهيري"، بل كمرآة حقيقية تعكس التدهور المستمر في النظام العالمي، وعجزه عن معالجة جذور الأزمات. هو مؤشر خطر لا على الحرب فقط، بل على انهيار منظومة الردع والسلام التي قامت عليها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
في نهاية المطاف، فإن السؤال لم يعد "هل ستقع حرب عالمية ثالثة؟" بل أصبح "ماذا تبقى لنمنعها؟" وهل يملك العالم الإرادة السياسية الكافية لصيانة السلام قبل فوات الأوان؟