اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

زيارة الشرع إلى باريس.. اختبار للشرعية الدولية أم بداية تحول في المشهد السوري؟

رئيس سوريا
محمود المصري -

في تطور دبلوماسي لافت، يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء، نظيره السوري أحمد الشرع في باريس، في زيارة تُعدّ الأولى من نوعها لرئيس سوري إلى وجهة أوروبية منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011. هذه الزيارة، التي تمثل علامة فارقة في العلاقات الأوروبية-السورية، لا تأتي في فراغ، بل على وقع تعقيدات داخلية وتوترات إقليمية تعصف بالمشهد السوري، وسط تساؤلات جادة حول أهدافها، وتداعياتها المحتملة على الملفات الساخنة، من الإصلاحات السياسية إلى التوازنات الطائفية والمواجهة مع إسرائيل.

محاولة إعادة التموضع السوري.. الرسائل والدوافع

منذ توليه السلطة في ديسمبر الماضي، سعى الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تصدير صورة جديدة لدمشق، بعيدة عن إرث النظام السابق. وقد رافقت هذه الاستراتيجية سلسلة من الإشارات التطمينية، كان أبرزها تأكيدات على حماية الأقليات، والانفتاح على المجتمع المدني، ورغبة في "بناء دولة حرة ومستقرة وذات سيادة"، كما جاء في البيان الفرنسي. هذه العبارات تعكس بوضوح النغمة الجديدة التي تحاول دمشق تبنيها دولياً.

غير أن هذه الصورة تصطدم بالواقع المعقد على الأرض، حيث لم تنجح الحكومة السورية الجديدة بعد في إحكام سيطرتها على كافة المليشيات، ولا في إيقاف النزيف الطائفي الذي بلغ ذروته في شهر مارس الماضي، عندما قُتل نحو 1700 شخص، معظمهم من الطائفة العلوية، في موجة من الهجمات غرب البلاد. كما لا تزال المواجهات مع الطائفة الدرزية تلقي بظلال ثقيلة على الخطاب الرسمي بشأن "الوحدة الوطنية".

فرنسا.. شروط واضحة وقلق إقليمي

بالنسبة لفرنسا، فإن استقبال الشرع لا يعني إعطاء شيك على بياض. فقد ربط الرئيس ماكرون هذه الزيارة بعدة شروط واضحة، أبرزها تشكيل حكومة جامعة تمثل جميع مكونات المجتمع المدني السوري، وتقديم ضمانات حقيقية تتعلق بأمن سوريا واستقرار المنطقة، لا سيما في لبنان المجاور.

فرنسا، كما غيرها من القوى الغربية، ترى أن استقرار سوريا بات ضرورة استراتيجية للمنطقة بأكملها، خصوصاً في ظل تنامي خطر التنظيمات المتطرفة، وتزايد الهجرة غير النظامية، وتدهور الوضع في لبنان الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بما يجري في دمشق. من هنا، يُقرأ اللقاء المنتظر بين ماكرون والشرع كنوع من اختبار النوايا لا منح الشرعية.

العقوبات.. المفتاح الاقتصادي المغلق

رغم تغير القيادة، لا تزال العقوبات الأوروبية والأميركية المفروضة على سوريا تشكل العقبة الأكبر أمام إعادة دمج البلاد في المنظومة الدولية. ويتطلع النظام السوري إلى أن تسهم الزيارة في تخفيف هذا الضغط الاقتصادي الهائل. لكن المجتمع الدولي لم يلمس بعد خطوات جادة نحو الإصلاحات السياسية أو ضمانات حقوق الإنسان، وهي متطلبات أساسية لأي مراجعة للعقوبات.

صحيفة لوفيجارو الفرنسية أشارت إلى أن النظام يسعى إلى تحقيق اختراق سياسي يعيد سوريا إلى الخارطة الدبلوماسية، لكن الشكوك لا تزال قوية، خاصة مع استمرار الانتهاكات الطائفية، وضعف قدرة السلطة المركزية على ضبط الجماعات المسلحة التابعة لها.

التصعيد الإسرائيلي وتحديات السيادة

تتزامن زيارة الشرع مع تصعيد خطير على الجبهة الإسرائيلية، حيث شنت تل أبيب ضربات جوية استهدفت مواقع قرب القصر الرئاسي في دمشق، في رسالة واضحة، بحسب المراقبين، موجهة للنظام السوري على خلفية الهجمات الأخيرة التي طالت الأقلية الدرزية. هذه الضربات تضع الشرع أمام معادلة معقدة: الرد على الانتهاكات الإسرائيلية دون جرّ سوريا إلى مواجهة شاملة، في وقت هو في أمسّ الحاجة فيه إلى استقرار داخلي لكسب الثقة الدولية.

من جهتها، نددت دمشق بـ"التصعيد الخطير"، وطالبت الأمم المتحدة بالتدخل، في حين دعت الأخيرة إسرائيل إلى وقف عملياتها "فوراً". لكن التصعيد يُبرز هشاشة الوضع السوري وحدود قدرة النظام الجديد على حماية السيادة الوطنية في ظل التدخلات المتعددة من روسيا وإيران والميليشيات العابرة للحدود.

زيارة بين الشكوك والرهانات

تثير زيارة الشرع إلى باريس جدلاً واسعاً في الأوساط الدولية والحقوقية، بين من يعتبرها اعترافاً مبكراً بشرعية نظام لم يثبت بعد انفصاله الكامل عن ممارسات الماضي، وبين من يراها فرصة نادرة لفتح نافذة حوار مع نظام يبحث عن مخرج دبلوماسي بعد سنوات من العزلة.

ويبقى الرهان الحقيقي في قدرة دمشق على إثبات التزامها الحقيقي بالإصلاح السياسي، وبناء مؤسسات دولة قادرة على احتواء التعددية، ووقف الانتهاكات، وإدارة علاقات إقليمية متوازنة. دون ذلك، فإن الزيارة قد تتحول إلى مجرد محطة رمزية، بلا أثر جوهري على مستقبل سوريا.