غزة تختنق بالجوع تحت الحصار.. الأونروا: أطفال يموتون في صمت

في وقت يترنح فيه العالم تحت وطأة الصراعات وتعدد الأزمات، تظل غزة جرحاً مفتوحاً ينزف دون توقف، وتبقى مأساتها دليلاً على التواطؤ الدولي والصمت القاتل. فبعد أكثر من سبعة أشهر من العدوان المستمر على القطاع، تتوالى التقارير المؤلمة التي تكشف عمق الكارثة الإنسانية، وسط حصار خانق ورفض منهجي لدخول المساعدات الإنسانية، مع ما يرافق ذلك من انهيار شبه كامل للنظام الصحي والغذائي.
66 ألف طفل تحت خط الخطر.. المجاعة تفتك بالصغار
كشفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عن كارثة تتفجر في بطون الأطفال: أكثر من 66 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد وخطير. هؤلاء الأطفال لم يعودوا يواجهون فقط شبح الجوع، بل أصبحوا ضحايا مباشرة لسياسات التجويع التي تفرضها سلطات الاحتلال من خلال الإغلاق المستمر للمعابر ومنع دخول الغذاء والدواء.
أوضح عدنان أبو حسنة، المتحدث باسم الأونروا، أن الوضع تجاوز حدود التحذير، معتبراً أن "مئات الآلاف في غزة يعانون من نقص حاد في الغذاء منذ أشهر"، وأن القطاع يشهد انهيارًا إنسانيًا شاملاً لم يشهد له مثيل.
المعابر مغلقة.. والمساعدات رهينة القرار السياسي
منذ الثاني من مارس 2025، قررت سلطات الاحتلال إغلاق جميع المعابر المؤدية إلى غزة، ما أوقف تدفق أي شكل من أشكال المساعدات الإنسانية، بما فيها الغذاء، الدواء، والمستلزمات الطبية. وقد أدى هذا الإغلاق إلى تفاقم المجاعة، وارتفاع عدد الوفيات إلى 57 حالة وفاة موثقة بسبب الجوع، مع ترجيحات بارتفاع العدد في ظل الانهيار المستمر.
ليست هذه المرة الأولى التي يُستخدم فيها الحصار كسلاح، لكن اللافت هذه المرة هو المدى الزمني الطويل (أكثر من شهرين) من الحرمان الكلي من المساعدات، ما دفع منظمات دولية إلى التحذير من مجاعة جماعية وشيكة تهدد حياة مئات الآلاف.
محاولات التفاف على المبادئ الإنسانية
في تطور سياسي موازٍ، صادقت حكومة الاحتلال عبر "الكابينت" على خطة مشبوهة لإعادة إدخال المساعدات عبر صندوق خاص يدعى "صندوق أودي"، تحت إشراف أطراف إسرائيلية، في خطوة اعتبرها الفلسطينيون التفافاً على المبادئ الإنسانية الدولية.
وقد رفضت الأمم المتحدة والعديد من منظماتها الإنسانية هذه الخطة، مؤكدين أن أي آلية لا تحترم المبادئ الأساسية للإغاثة الإنسانية — وهي النزاهة، الحياد، الاستقلال — تعد غير مقبولة ومخالفة للقانون الدولي.
منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة أكد أن الخطة الإسرائيلية تهدد حياة الناس وتعرضهم لمخاطر إضافية، حيث تُجبرهم على الذهاب إلى مناطق بعيدة ومحفوفة بالخطر من أجل الحصول على الحصص الغذائية، وهو ما يعمق معاناتهم بدلاً من تخفيفها.
عدوان مستمر وحصيلة متصاعدة
منذ 7 أكتوبر 2023، يواصل الاحتلال عدوانه على قطاع غزة بلا هوادة. وقد بلغت حصيلة الشهداء 52,567 شخصاً، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى 118,610 إصابة، وما تزال الحصيلة مرشحة للارتفاع بسبب وجود ضحايا تحت الأنقاض، وفي ظل تعذر وصول فرق الإنقاذ والإغاثة إلى العديد من المناطق.
انهيار كامل للبنية الإنسانية
يواجه القطاع انهياراً شاملاً في البنية التحتية:
النظام الصحي على وشك الانهيار مع نفاد الأدوية ومستلزمات الطوارئ.
المياه والوقود شبه منعدمين.
الكهرباء مقطوعة لأكثر من 90% من الوقت.
المدارس والملاجئ باتت أهدافاً عسكرية.
كل هذه الظروف تُسهم في تعميق معاناة السكان المدنيين، وتُقوّض فرص الحياة الكريمة أو حتى البقاء على قيد الحياة.
المجاعة كسلاح حرب، والضمير الإنساني على المحك
إن ما يجري في غزة اليوم يتجاوز كونه حصاراً أو حرباً تقليدية، بل هو استخدام مباشر للجوع كسلاح حرب ممنهج، وسط صمت دولي وتواطؤ واضح في عرقلة وصول المساعدات. وإن استخدام سياسات التجويع والإغلاق كأدوات للضغط السياسي يُعد جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني.
ورغم تعقيد المشهد السياسي، إلا أن ما يواجهه الفلسطينيون في غزة لا يحتاج إلى كثير من التفسير؛ إنهم فقط يطلبون الحق في الحياة، والغذاء، والماء، والدواء... أي الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.
ويبقى السؤال قائماً:
هل تحوّل المجتمع الدولي إلى شاهد زور على موت جماعي بطيء؟ أم أن هناك بارقة ضمير يمكن أن تستفيق قبل فوات الأوان؟.