عام ثالث من الدم والدرون.. تحولات استراتيجية في الحرب السودانية وتكتيك السيطرة على كردفان

مع حلول منتصف أبريل 2025، دخل السودان عامه الثالث من الحرب الأهلية الطاحنة بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع، وسط تطورات عسكرية متسارعة تُعيد تشكيل خارطة السيطرة وملامح الصراع، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الحرب، قوامها الطائرات المسيّرة، ومعارك المناطق المفتوحة، وصراع النفوذ على الإقليم المحوري: كردفان.
من الخرطوم إلى كردفان.. الجيش يحاول تثبيت التفوق
بعد أن تمكن الجيش السوداني من استعادة نحو 90% من العاصمة الخرطوم، وفرض سيطرته على ولايات الشرق والوسط، توجه بثقله نحو إقليم كردفان الإستراتيجي، كخطوة لتأمين العمق الجغرافي وفك الحصار عن مدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان، وبدء الزحف جنوباً نحو كادقلي، مركز جنوب الإقليم.
لكن رغم هذا التقدم، لا تزال قوات الدعم السريع تحتفظ بوجود نشط ومؤثر في مناطق متعددة داخل وسط وجنوب غرب البلاد، مستفيدة من امتداداتها القبلية، وحلفائها المسلحين، وتكتيكات التمركز المتجدد.
ضربات بالطائرات المسيّرة.. بورتسودان في مرمى النيران
في تطور نوعي مفاجئ، تعرضت مدينة بورتسودان – المقر الإداري المؤقت للسلطة – لهجوم بطائرات مسيّرة صباح الأحد استهدف مطارها وقاعدة جوية ومرافق خدمية. ورغم محدودية الخسائر، فإن رمزية الهجوم تسببت بصدمة سياسية وعسكرية، كون المدينة كانت حتى وقت قريب بمنأى عن المواجهات.
يرى مراقبون أن هذه الضربة تعني أن المناطق المحسوبة على الجيش لم تعد آمنة بالمعنى التقليدي، وأن الطائرات بدون طيار باتت سلاحًا حاسمًا في يد الدعم السريع، قادرًا على تجاوز الخطوط الأمامية وتوسيع رقعة التهديد.
قوات الدعم السريع.. استراتيجية إعادة التمركز
على الجانب الآخر، دخلت قوات الدعم السريع العام الثالث للحرب بـ استراتيجية جديدة تقوم على التمركز في نقاط حاسمة بدلاً من الانتشار الواسع، سعيًا لفرض أمر واقع ميداني في مناطق ذات وزن عسكري واقتصادي. ووفق تصريحات المستشار عمران عبد الله، فإن السيطرة على مدينة النهود (ثاني أهم مدن غرب كردفان) تمثل انتصارًا نوعيًا، يفتح الباب نحو التمدد جنوبًا باتجاه الحدود مع دولة جنوب السودان.
وتعزز الدعم السريع مؤخرًا بتحالفات مع الحركة الشعبية/شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وجيش تحرير السودان في دارفور، ما منحه أذرعًا قتالية متعددة في وسط وجنوب كردفان، كما سيطر على 3 من أصل 5 ولايات في دارفور، وشدد الحصار على الفاشر، آخر معاقل الجيش في الإقليم.
كردفان.. ساحة الحسم القادمة
يُجمع المراقبون أن إقليم كردفان يمثل "الجائزة الكبرى" في هذه الحرب، بسبب موقعه الحيوي الذي يربط وسط البلاد بغربها، إلى جانب كونه مخزنًا اقتصاديًا ضخمًا بفضل أسواق المحاصيل والصمغ العربي.
ويرى الباحث السياسي إبراهيم أحمد جمعة أن الجيش لا يزال يحتفظ بتفوق عسكري واضح في كردفان، مستفيدًا من ولاء القيادات القبلية وتفوقه الجوي انطلاقًا من قاعدة الأبيض. إلا أن التحديات تكمن في طبيعة الجغرافيا، وصعوبة الحرب في المناطق المفتوحة، وتكتيكات المسيرات التي يصعب التصدي لها تقنيًا.
تحولات المشهد العسكري.. نهاية المعارك التقليدية؟
بحسب الضابط السابق عمر أرباب، فإننا نشهد انتقالًا من نمط المواجهات الكلاسيكية إلى حروب الكرّ والفرّ، والضربات النوعية بواسطة الطائرات المسيرة، وهو ما يزيد من تعقيد الحرب، ويؤجل الحسم النهائي.
ويضيف أرباب أن الدعم السريع قد يعتمد في المرحلة المقبلة على سياسة الإنهاك، وقطع الإمدادات، وضرب المناطق المدنية لإرباك الجبهة الخلفية للجيش، ما يعني أن الحرب دخلت مرحلة أكثر دموية وأقل إمكانية للضبط أو التسوية.