اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

الدبلوماسية السعودية المصرية: ركيزة الاستقرار الإقليمي ونموذج التعاون الاستراتيجي

الرئيس السيسي والأمير محمد بن سلمان
-

تُعد العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية نموذجاً فريداً للتعاون الاستراتيجي والأخوة العميقة التي تجمع بين دولتين تتمتعان بثقل سياسي واقتصادي وثقافي كبير في العالمين العربي والإسلامي. هذه العلاقات، التي تمتد جذورها لعقود طويلة، ليست مجرد علاقات دبلوماسية تقليدية، بل هي شراكة متجذرة في التاريخ والمصالح المشتركة، وتعكس رؤية مشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. في هذا المقال، نستعرض أبرز محطات هذه العلاقات المميزة، ودورها في تعزيز التكامل العربي، مع تسليط الضوء على أهم الإنجازات والتحديات.

جذور تاريخية راسخة

بدأت العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين في 7 مايو 1936، من خلال توقيع معاهدة الصداقة وحسن الجوار، التي شكلت إطاراً متيناً للتعاون بين المملكة ومصر. ويعود أول لقاء تاريخي بين الملك عبدالعزيز آل سعود، مؤسس المملكة، والملك فاروق، ملك مصر، إلى عام 1945، حيث وضع هذا اللقاء حجر الأساس لعلاقة استراتيجية تزداد قوة مع مرور الزمن. منذ ذلك الحين، شهدت العلاقات تطوراً مستمراً، مدعوماً بالزيارات المتبادلة، مثل زيارة الملك عبدالعزيز لمصر عام 1946، وزيارة الملك فاروق للسعودية عام 1945.

خلال القرن العشرين، كان للبلدين دور محوري في دعم القضايا

العربية والإسلامية. فعلى سبيل المثال، وقفت السعودية إلى جانب مصر خلال تأميم قناة السويس عام 1956، وقدمت دعماً مالياً بقيمة 100 مليون دولار بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي. كما أعلنت السعودية التعبئة العامة لقواتها خلال العدوان الثلاثي على مصر، في خطوة عكست عمق التضامن بين البلدين.

التعاون الاقتصادي: محرك التكامل

تُشكل العلاقات الاقتصادية بين السعودية ومصر ركيزة أساسية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية. في عام 2023، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 12.8 مليار دولار، مع استثمارات سعودية في مصر تصل إلى 26 مليار دولار من خلال أكثر من 8 آلاف شركة، واستثمارات مصرية في السعودية تقدر بحوالي 4 مليارات دولار عبر أكثر من 3 آلاف شركة. هذه الأرقام تعكس التكامل الاقتصادي الذي يعززه البلدان من خلال رؤيتيهما الطموحتين: "رؤية المملكة 2030" و"رؤية مصر 2030".

من أبرز مشاريع التعاون الاقتصادي مشروع الربط الكهربائي بين البلدين، الذي يهدف إلى تعزيز كفاءة الطاقة وتأمين إمدادات الكهرباء. يحظى هذا المشروع بدعم كبير من الجانبين، ومن المتوقع أن يبدأ التشغيل في صيف 2025، مما يعزز التكامل الإقليمي في قطاع الطاقة. كما أُنشئ صندوق مصري سعودي للاستثمار بقيمة 60 مليار ريال، يساهم فيه البلدان بحصص متساوية، مما يعكس التزامهما بتعزيز الاستثمارات المتبادلة.

التنسيق السياسي: ركيزة الاستقرار الإقليمي

يتميز التنسيق السياسي بين السعودية ومصر بتطابق الرؤى حول القضايا الإقليمية والدولية، مما يجعل البلدين قطبين أساسيين في النظام الإقليمي العربي. لقد أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مناسبات عدة على أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، مشدداً على أن مصر ستقف إلى جانب دول الخليج في مواجهة أي تهديدات. من جانبها، أبدت السعودية دعماً مستمراً لمصر في مختلف الظروف، سواء من خلال الودائع المالية التي تجاوزت 10.3 مليار دولار، أو من خلال التنسيق الدبلوماسي لمواجهة التحديات الإقليمية.

خلال الأزمات الإقليمية، مثل حرب غزة، اتخذت الدولتان مواقف متطابقة تدعم القضية الفلسطينية وتدعو إلى حل عادل وشامل. كما يعكس تشكيل مجلس التنسيق الأعلى السعودي المصري، وتوقيع اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة، التزام البلدين بتعزيز الشراكة الاستراتيجية على أعلى المستويات.

التحديات والطموحات

على الرغم من قوة العلاقات، واجهت السعودية ومصر بعض التحديات، مثل التوترات الإعلامية العابرة أو الخلافات حول قضايا مثل جزيرتي تيران وصنافير. ومع ذلك، تمكنت الدبلوماسية النشطة من تجاوز هذه التحديات، حيث أكد قادة البلدين مراراً على متانة العلاقة وعدم السماح للفتن الإعلامية بزعزعتها. كما يعمل البلدان على مواجهة محاولات خارجية للتشكيك في العلاقة، من خلال تعزيز التواصل الشعبي والرسمي

إعداد الباحث الاكاديمي البروفيسور تركي بن عبدالمحسن بن عبيد