اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

رسوم ترامب الجمركية تُنعش شراكة أوروبية آسيوية بديلة

ترامب
محمود المصري -

في خضم التوترات التجارية المتصاعدة وعودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض، عاد الحديث بقوة داخل أروقة الاتحاد الأوروبي عن ضرورة إقامة تكتل تجاري قوي مع شركاء من منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ووفقاً لما أوردته صحيفة فاينانشيال تايمز، فإن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة بشأن فرض رسوم جمركية تحت مسمى "يوم التحرير" قد دفعت بروكسل لإعادة إحياء خطة كانت شبه متعثرة لربط الاتحاد الأوروبي بتكتل تجاري واسع، يعرف بـ"الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة عبر المحيط الهادئ" (CPTPP).
هذا التكتل، الذي يضم 12 دولة من بينها كندا، اليابان، سنغافورة، والمملكة المتحدة، يمثل حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويوفر إطاراً متقدماً للتكامل التجاري وحماية المستثمرين، وهو ما يتقاطع مع أهداف الاتحاد الأوروبي في ظل التهديدات المتزايدة للنظام التجاري متعدد الأطراف.

دوافع استراتيجية.. من واشنطن إلى آسيا

يبدو أن المحرك الأساسي لهذا الانفتاح الأوروبي المفاجئ هو القلق من السياسات الحمائية التي يتبناها ترامب، والتي قد تُضعف منظمة التجارة العالمية وتعيد صياغة خريطة التحالفات الاقتصادية العالمية. ومن هذا المنطلق، ترى أوروبا في تحالفها مع دول آسيوية – لطالما عُرفت بتمسكها بقواعد التجارة الدولية – فرصة لإعادة التوازن في وجه هيمنة اقتصادية غير متوقعة من واشنطن.
وتسعى بروكسل إلى إقامة شراكة استراتيجية تتجاوز التبادل التجاري التقليدي، لتشمل ملفات حساسة كالتجارة الرقمية، قواعد المنشأ، واستدامة سلاسل التوريد. ويشير مراقبون إلى أن الاتفاق المرتقب قد يكون بمثابة "شبكة أمان اقتصادية" في ظل تقلبات السياسة الأميركية.

عقبات لوجستية وسياسية


رغم الحماسة الجديدة، لا تزال الآلية الفعلية لتنفيذ الشراكة غير واضحة. فمع أن الاتحاد الأوروبي يمتلك بالفعل اتفاقيات ثنائية مع 9 من أصل 12 دولة في التكتل، إلا أن التوصل إلى إطار موحّد يتطلب تنسيقاً سياسياً عالياً، خصوصاً أن أستراليا – التي تتولى الرئاسة الدورية للتكتل – خرجت للتو من انتخابات، ويُنتظر أن تُستأنف مفاوضاتها المتعثرة مع الاتحاد بشأن اتفاق التجارة الثنائي.

وتُشير المصادر إلى أن هناك تصورًا يقوم على "مسارين متوازيين": أحدهما يتضمن ميثاقاً أخلاقياً مشتركاً حول الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية، والآخر حواراً فنياً لتقريب السياسات المتعلقة بالتجارة الرقمية والبيئية.


حساسية تجاه واشنطن وتوازنات دقيقة


فيما يتحفظ بعض الفاعلين داخل التكتل على إظهار الشراكة كمحور مناهض للولايات المتحدة، إلا أن الخطاب العام يسعى إلى تقديم الاتفاق كخطوة إصلاحية للنظام التجاري العالمي، وليس تحديًا مباشراً لواشنطن. وفي هذا السياق، يتم تداول مقترحات لإدراج مسارات موازية للتعاون مع الولايات المتحدة في إصلاح منظمة التجارة العالمية، بهدف الحفاظ على الحلف الأطلسي الاقتصادي دون تصعيد سياسي.

الخبيرة الاقتصادية والمفوضة الأوروبية السابقة سيسيليا مالمستروم ترى أن اللحظة الحالية قد تكون فرصة نادرة لا يجب تفويتها. فالاتحاد الأوروبي – برأيها – يتحرك ببطء، لكن حجم التهديدات الأخيرة أوجد ما وصفته بـ"زخم متجدد حقيقي" لتعزيز التحالفات الاستراتيجية.
أما رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، فقد أكدت أن الغرض من هذا الانفتاح ليس الانضمام إلى التكتل الآسيوي، وإنما تطوير إطار مشترك يضبط التجارة العادلة في العالم.

محاولات سابقة وأسس قائمة

تجدر الإشارة إلى أن هذا التقارب ليس وليد اللحظة. فقد حاول الاتحاد الأوروبي في العام 2023 فتح قناة مماثلة، غير أن تلك المحاولة فشلت بسبب غياب التأييد السياسي الكافي. لكن تقارير بحثية من معاهد سويدية وبروكسلية أعادت الطرح بقوة، معتبرة أن تحالفًا كهذا قد يجعل من التكتلين محوراً ثقيلاً يعيد تشكيل خريطة التجارة الدولية.
ومع أن الانضمام الرسمي للاتحاد الأوروبي إلى CPTPP ليس مطروحًا على الطاولة، إلا أن مجرد إنشاء إطار شراكة منظم قد يحمل انعكاسات طويلة الأمد على مستقبل التجارة العالمية، خصوصاً في ظل تسارع تفكك النظام الاقتصادي متعدد الأطراف.