التوتر بين المكسيك والولايات المتحدة.. السيادة الوطنية مقابل التعاون في مكافحة الجريمة المنظمة

في خطاب لها، كشفت الرئيسة المكسيكية، كلوديا شينباوم، عن تفاصيل مكالمة هاتفية مع نظيرها الأميركي، دونالد ترمب، والتي طرحت فيها عرضاً لوجود عسكري أميركي على الأراضي المكسيكية بهدف محاربة عصابات المخدرات. رفضت شينباوم هذا العرض بشكل قاطع، مشددة على أن سيادة المكسيك على أراضيها غير قابلة للتفاوض أو الانتهاك. وذكرت أن ترمب قد ضغط عليها في محادثة هاتفية ليقترح إرسال قوات عسكرية أميركية، الأمر الذي وصفته بأنه محاولة لتجاوز حدود السيادة الوطنية.
وقالت شينباوم: "هذا صحيح ولكن ليس بالطريقة التي يتحدثون بها"، حيث أوضحت أن ترمب سألها عن طرق يمكن من خلالها المساعدة في مكافحة الجريمة المنظمة. وفي رده، أكدت الرئيسة المكسيكية على موقف بلادها الثابت برفض أي تدخل عسكري أجنبي على أراضيها. وأشارت إلى أنها اقترحت بدلاً من ذلك التعاون بين المكسيك والولايات المتحدة في تبادل المعلومات لمكافحة العصابات الإجرامية، بما يضمن احترام السيادة المكسيكية.
على الرغم من هذا الرفض، شددت شينباوم على أهمية التعاون بين البلدين في معالجة جذور العنف. وأوضحت في سياق حديثها ضرورة أن يقوم الرئيس الأميركي بتوجيه جهود بلاده نحو الحد من تجارة الأسلحة التي تغذي العنف في المكسيك. إذ تعتبر هذه التجارة أحد العوامل الرئيسة وراء تفشي العصابات الإجرامية وتزايد موجات العنف في البلاد، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 450 ألف شخص على مدار عقدين من الزمن.
في إطار هذا التوتر، أكدت شينباوم أن الرئيس الأميركي قد اتخذ خطوة إيجابية بتوجيه أمر بإجراءات صارمة للحد من تدفق الأسلحة من الولايات المتحدة إلى المكسيك. إلا أن المكسيك تبقى حريصة على أن يكون أي تعاون مع الولايات المتحدة محكوماً بالاحترام الكامل للسيادة المكسيكية، وعدم المساس بها.
تشير هذه التصريحات إلى صراع مستمر بين رغبة المكسيك في الحفاظ على سيادتها الوطنية من جهة، واحتياجها إلى دعم خارجي لمكافحة الجريمة المنظمة من جهة أخرى. وفي الوقت ذاته، يعكس هذا الخلاف العمق التاريخي للعلاقات بين البلدين، والتي تتراوح بين التعاون والمواجهة في قضايا مثل مكافحة المخدرات، التجارة، والهجرة.
جذور الأزمة
تستمر الأزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك في النمو والتعقيد على خلفية القضايا المتعلقة بالسيادة الوطنية، مكافحة المخدرات، وتجارة الأسلحة. العلاقات بين البلدين شهدت توترات ملحوظة في السنوات الأخيرة، وجاءت هذه التوترات في شكل مقترحات ومواقف متباينة حول كيفية التعامل مع تفشي الجريمة المنظمة في المكسيك، خاصة تلك المرتبطة بعصابات المخدرات. لعل أبرز هذه التوترات كان العرض المقدم من الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، لإرسال قوات عسكرية أميركية إلى المكسيك لمحاربة عصابات المخدرات، وهو ما أدى إلى تصعيد غير مسبوق في العلاقات بين البلدين.
1. العرض العسكري الأمريكي والتأكيد على السيادة المكسيكية
في واحدة من أبرز محطات الأزمة، اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إرسال قوات عسكرية أمريكية إلى المكسيك لمساعدة السلطات المكسيكية في محاربة عصابات المخدرات. هذا العرض جاء في وقت كانت فيه المكسيك تعاني من تصاعد العنف بسبب العصابات التي تسيطر على تجارة المخدرات في البلاد. لكن المكسيك، ممثلة في شخص الرئيسة كلوديا شينباوم، رفضت هذا العرض بشكل قاطع، مؤكدة أن السيادة الوطنية للمكسيك لا تقبل التفاوض أو الانتهاك.
شينباوم صرحت علنًا أنها رفضت العرض الأمريكي بحزم خلال مكالمة هاتفية مع ترمب، حيث قالت له: "أراضينا غير قابلة للانتهاك، وسيادتنا غير قابلة للتفاوض". وقد اعتبرت المكسيك أن هذا الاقتراح كان انتهاكًا لسيادتها وتدخلًا سافرًا في شؤونها الداخلية، مما أدى إلى توتر كبير في العلاقات بين البلدين. شينباوم أكدت أن المكسيك تفضل التعاون على أساس تبادل المعلومات مع الولايات المتحدة بدلاً من السماح بوجود عسكري أجنبي على أراضيها.
2. المكسيك والمطالب الأمريكية للحد من تجارة المخدرات والأسلحة
في الوقت ذاته، طالبت المكسيك الولايات المتحدة بمزيد من الإجراءات لمنع تدفق الأسلحة من الأراضي الأمريكية إلى العصابات المكسيكية. المكسيك كانت دائمًا تشعر بأن تجارة الأسلحة من الولايات المتحدة تُغذي العنف في البلاد وتزيد من تعقيد الأزمة. إذ تُعتبر الأسلحة التي يتم تهريبها من الولايات المتحدة أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى تصاعد العنف في المكسيك، حيث تستخدمها العصابات في صراعاتها الداخلية ومع القوات الحكومية.
وفي رد فعل على هذه المطالب، أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد توليه منصب الرئاسة، أوامر جديدة لزيادة مراقبة ومنع تدفق الأسلحة إلى المكسيك. ومع ذلك، يبقى التنفيذ الفعلي لهذه السياسات محل تساؤل، خصوصًا في ظل تعقيدات العلاقة بين الدولتين فيما يخص تجارة الأسلحة.
3. أزمة العنف والمخدرات في المكسيك
العنف في المكسيك، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 450 ألف شخص على مدار العقدين الماضيين، يُعتبر أحد أبرز القضايا التي تثير التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والمكسيك. عصابات المخدرات التي تسيطر على مناطق واسعة من البلاد تمثل تهديدًا مستمرًا للأمن الداخلي في المكسيك. في حين أن الولايات المتحدة تعد أحد الأسواق الرئيسية للمخدرات المكسيكية، فإن المكسيك تعتبر أن الإجراءات العسكرية الأميركية على أراضيها ستكون غير فعالة بل وقد تساهم في تعميق الأزمة.
4. التعاون الثنائي والضغوط الأمريكية
رغم التوترات والرفض المكسيكي لوجود عسكري أميركي على أراضيها، إلا أن هناك محاولات مستمرة من كلا الجانبين للتعاون في مكافحة الجريمة المنظمة. المكسيك تطالب بالتعاون في تبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق بين قوات الأمن في البلدين لمكافحة العصابات، بينما تطالب الولايات المتحدة المكسيك بتعزيز جهودها في مكافحة تجار المخدرات.
وفي السنوات الأخيرة، تبذل الحكومتان بعض الجهود لتنظيم التعاون الثنائي في إطار المعاهدات والتفاهمات الأمنية، رغم تباين الآراء حول طبيعة هذا التعاون ووسائله. فعلى الرغم من الضغوط الأمريكية، لا تزال المكسيك تؤكد على ضرورة الحفاظ على سيادتها وضمان عدم تدخل القوات الأجنبية في شؤونها الداخلية.
5. تحديات السيادة والتعاون
الأزمة بين المكسيك والولايات المتحدة تتلخص في التحدي الذي يواجه البلدين في تحقيق التوازن بين احترام السيادة المكسيكية والتعاون في مكافحة الجريمة المنظمة. في حين أن المكسيك تسعى للحفاظ على سيادتها الوطنية وعدم السماح بأي تدخل أجنبي، فإن الولايات المتحدة ترى أن المكسيك بحاجة إلى الدعم الخارجي لمكافحة عصابات المخدرات، التي تعتبر تهديدًا للمنطقة برمتها.