اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

أستراليا في مهب التوترات الأميركية-الصينية.. حكومة ”العمال” تواجه ”الظلال القاتمة” للتجارة العالمية

وزير المالية
محمود المصري -

في لحظة مفصلية من السياسة الأسترالية والعلاقات الاقتصادية الدولية، أعادت صناديق الاقتراع تشكيل المشهد الداخلي والخارجي للبلاد، حيث حقق حزب العمال فوزًا ساحقًا بقيادة أنتوني ألبانيز، محققًا ولاية ثانية غير مسبوقة لحزب يسار الوسط خلال عقدين، في ظل أزمات اقتصادية وتحديات جيوسياسية تتنامى في الأفق، لا سيما الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين.

الضبابية العالمية.. التحدي الأبرز

في تصريح مباشر بعد الفوز، حذّر وزير الخزانة الأسترالي، جيم تشالمرز، من "الظلال القاتمة" التي تُلقيها التوترات بين واشنطن وبكين على الاقتصاد العالمي، مؤكدًا أن الحكومة المنتخبة ستعطي الأولوية للتعامل مع هذه التحديات التي تتجاوز الحدود الأسترالية. ولفت إلى أن حالة "الضبابية الاقتصادية" ستكون محورًا رئيسًا في السياسات الاقتصادية المقبلة، مشددًا على أن الحكومة تمتلك القدرة على إدارة هذا المشهد المعقد.

تُدرك الحكومة الجديدة أن الأزمة الأميركية-الصينية ليست مجرد شأن تجاري ثنائي، بل مسألة بنيوية تمس استقرار سلاسل التوريد العالمية، وأسعار الصادرات الحيوية، والاستثمارات، وتوازن القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي المنطقة التي تعتمد عليها أستراليا استراتيجياً.

صدى ترامب.. وتحوّل المزاج الشعبي

التحولات الأخيرة في السياسة الأميركية، وخاصة تلك المرتبطة بالرئيس دونالد ترمب، مثل فرض الرسوم الجمركية وتضييق دور الحكومة، لم تكن بعيدة عن عقل الناخب الأسترالي. فقد أظهرت النتائج أن الناخبين لم يتجاوبوا إيجابيًا مع الخطاب المحافظ الذي قارن تقليص الوظائف الحكومية بسياسات ترمب الداخلية، بل اعتبروه تهديدًا مباشرًا لمكتسباتهم الاجتماعية، لا سيما في أوساط النساء العاملات.

كما زادت مخاوف الشارع الأسترالي بعد إعلان ترمب عن رسوم جديدة في أبريل، مما أثار موجة من القلق بشأن صناديق التقاعد، والاستقرار المالي للأسر، وأدى لتراجع ثقة الناخبين في المعارضة المحافظة بقيادة بيتر داتون، الذي خسر مقعده في تحول درامي.

خطاب الوحدة مقابل الانقسام

في خضم هذه التوترات، ركز ألبانيز على خطاب الوحدة والتنظيم، مؤكدًا أن ولايته الثانية ستكون استمرارًا لنهج منضبط في الحكم، كما دعا إلى تجاوز الانقسام السياسي، وهي رسالة تلقفتها الأوساط الداخلية والخارجية بإيجابية.

وكان لافتًا أن كلا من الولايات المتحدة والصين سارعتا إلى تهنئة ألبانيز، في إشارة إلى رغبتهما في استمرار الحوار والتعاون مع أستراليا، وإن اختلفت الأهداف؛ فبينما شددت واشنطن على دعم "الحرية والاستقرار في منطقة المحيطين"، أكدت بكين استعدادها لتعزيز "الشراكة الاستراتيجية الشاملة".

المشهد البرلماني.. أغلبية مريحة في الأفق

توقعت هيئة الإذاعة الأسترالية أن يرفع حزب العمال عدد مقاعده إلى 85 من أصل 150، مما يمنحه أغلبية مريحة، مقارنة بـ77 في الدورة السابقة.

ويعكس هذا التفوق استجابة الشعب الأسترالي لرؤية الحزب في مواجهة التحديات الاقتصادية وتوازن المصالح بين القوى الكبرى.

تحديات داخلية وخارجية متشابكة

رغم الفوز الساحق، تقف حكومة ألبانيز أمام مفترق طرق خطير؛ إذ لا يتعلق الأمر فقط بإدارة التضخم وتكاليف المعيشة، بل بإعادة تموضع أستراليا وسط منافسة محتدمة بين شريكين تجاريين لا يمكن الاستغناء عن أي منهما.

ويكون على القيادة الجديدة أن تسير بخطى دقيقة بين تعزيز أمنها الاقتصادي والسياسي، وتجنّب الوقوع في فخ الاصطفاف الكامل خلف أحد القطبين.

فهل تنجح حكومة حزب العمال في تحويل "الضبابية" إلى رؤية واضحة؟ أم أن التوترات العالمية تقودها إلى زوابع غير محسوبة؟.