اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

زيارة الرئيس الصيني إلى روسيا في يوم النصر.. دعم استراتيجي أم خروج دبلوماسي من العزلة؟

الرئيس الصيني ونظيره الروسي
محمود المصري -

في تطور لافت على الساحة الجيوسياسية، أعلن الكرملين أن الرئيس الصيني شي جين بينغ سيزور روسيا في الفترة من 7 إلى 10 مايو، للمشاركة في احتفالات "يوم النصر" الذي تحيي فيه موسكو انتصارها على ألمانيا النازية. إلا أن هذه الزيارة لا تأتي في سياق رمزي فحسب، بل تحمل أبعادًا استراتيجية عميقة وسط التوترات المتصاعدة في أوكرانيا ومحاولات موسكو كسر عزلتها الدولية.

شراكة تتجاوز الرمزية


الكرملين أوضح أن زيارة شي ستشهد مناقشات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة، إلى جانب توقيع عدد من الاتفاقيات. ويبدو أن بكين وموسكو تسعيان لإعادة صياغة موازين القوى العالمية، بعيداً عن الهيمنة الغربية، في ظل تزايد الضغوط على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، وموقف الصين المتأرجح بين الحياد والدعم الضمني.
الزيارة تأتي بعد شهر تقريباً من محادثات أجراها بوتين مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي، والذي أكد خلالها على أن "الصداقة بين الصين وروسيا أبدية"، في رسالة موجهة بوضوح إلى الغرب مفادها أن التحالف بين بكين وموسكو يتعزز رغم كل التحديات الدولية.
كييف تحذّر.. واستعدادات أمنية مشددة
في المقابل، لم تمر هذه التحركات دون رد من الجانب الأوكراني. فقد حذر الرئيس فولوديمير زيلينسكي القادة المدعوين لحضور العرض العسكري في الساحة الحمراء يوم 9 مايو، مؤكداً أن بلاده "لن تقدم أي ضمانات أمنية" لهم، في إشارة إلى احتمال حدوث تصعيد أمني أو هجمات متوقعة. أما رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، كيريلو بودانوف، فذهب إلى أبعد من ذلك، مقترحاً على الضيوف "إحضار سدادات أذن"، في تعبير ساخر عن خطر القصف أو الانفجارات.
زيلينسكي وصف أيضاً المبادرة الروسية بوقف إطلاق النار لمدة 3 أيام بأنها "عرض مسرحي"، يهدف لتهيئة أجواء آمنة في موسكو واستقطاب الحضور الأجنبي لإعطاء بوتين مظهرًا من الشرعية الدولية، رغم تعمق عزلته بفعل العقوبات والتنديد العالمي بالحرب.


بكين بين السلام والدعم الضمني


فيما تروج الصين لخطاب "الحياد الإيجابي"، تتزايد المؤشرات على تنسيق غير مباشر مع موسكو، بل وتتردد أحاديث أوروبية عن احتمال انضمام بكين إلى مهمة حفظ السلام الأوروبية المحتملة في أوكرانيا، وهي مبادرة تقودها فرنسا وبريطانيا تحت مظلة "تحالف الراغبين".
ورغم ما يبدو أنه دعم لحل سلمي، ترى تحليلات – منها مجلة بوليتيكو – أن دخول الصين على خط المبادرة قد يسهم في إعطاء هذه المهمة غطاءً دوليًا أوسع، لكنه في الوقت نفسه يُطمئن موسكو إلى أن الحليف الآسيوي لا يتخلى عنها، بل يرافقها في مرحلة "إدارة الأزمة" لا حلّها.
يُذكر أن المبعوث الصيني للشؤون الأوروبية، لو شاي، صرّح في وقت سابق أن اتفاق السلام في أوكرانيا "يجب ألا يكون حكراً على روسيا والولايات المتحدة"، في تأكيد على رغبة الصين في أن تُعامل كقوة فاعلة لا متفرجة في توازنات ما بعد الحرب.


قراءة في دلالات الزيارة


زيارة شي لموسكو في مناسبة شديدة الرمزية تحمل أكثر من رسالة:
أولاً، تأكيد على التحالف الصيني الروسي في لحظة تشهد فيها روسيا ضغوطاً غير مسبوقة.


ثانيًا، إعادة تقديم الصين كقوة سلام دولية منفتحة على التعاون الأوروبي، لكن دون التخلي عن دعمها الاستراتيجي لروسيا.


ثالثًا، تحدٍ للغرب يتمثل في كسر محاولات عزل بوتين دبلوماسيًا عبر حليف دولي من العيار الثقيل.


وأخيرًا، رسم لمعادلات دولية جديدة، قد تعيد تشكيل قواعد الصراع والنفوذ من أوكرانيا إلى آسيا، مرورًا بالشرق الأوسط.