اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

إسرائيل تحترق.. بين ألسنة اللهب ومأزق الدولة

حرائق الغابات
محمود المصري -


تعيش إسرائيل حالة طوارئ غير مسبوقة نتيجة حرائق ضخمة اندلعت في مناطق غابات قريبة من القدس، وامتدت بسرعة بفعل الرياح ودرجات الحرارة المرتفعة، مهدّدة باجتياح أطراف المدينة ذات الحساسية الدينية والسياسية. الحدث الذي أطلق عليه البعض اسم "يوم اللهب" أعاد إلى الواجهة هشاشة البنية البيئية، وتداعيات التغير المناخي، إضافة إلى الأثر النفسي والسياسي في ظل ظروف داخلية متوترة.

حالة طوارئ وطنية واستنفار إقليمي:

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وصف الموقف بأنه "حالة طوارئ وطنية"، مؤكداً أن الأولوية القصوى هي حماية القدس. هذا التصريح يعكس إدراك القيادة السياسية لحجم الكارثة، وخطر تمدد النيران إلى مناطق مكتظة بالسكان والمؤسسات الحيوية. أكثر من 100 طاقم إطفاء يعملون على السيطرة على ألسنة اللهب، وسط دعم دولي عاجل من أكثر من عشر دول، بينها فرنسا، إسبانيا، واليونان.

خسائر بيئية فادحة:

وفقاً للصندوق القومي اليهودي، احترق حتى مساء الأربعاء أكثر من 2900 فدان من الغابات، بما في ذلك منتزهات وغابات معروفة مثل غابة كندا وغابة الشهداء، ما يسلط الضوء على واحدة من أسوأ الكوارث البيئية التي تضرب البلاد منذ أكثر من عقد. هذا الدمار الواسع للغابات يمثل ضربة للمشاريع البيئية والزراعية التي طالما تغنّى بها الصهيونية البيئية في إطار "تشجير الصحراء" و"إحياء الأرض".

أمن داخلي على المحك:

جهاز الشاباك دخل على الخط في محاولة لتحديد ما إذا كانت بعض الحرائق مفتعلة، خاصة بعد اعتقال مشتبه به من القدس الشرقية أثناء محاولته إشعال النار في أحد الحقول. هذا الاتهام، وإن لم يُثبت بعد، قد يُستخدم في الخطاب السياسي لتأجيج التوترات القومية، خصوصاً في مدينة تشكّل بؤرة حساسة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

الهلع الشعبي والانهيار اللوجستي:

المشاهد الواردة من الطرق السريعة بين القدس وتل أبيب تُظهر حالة من الذعر؛ سيارات محاصرة، أناس يفرون على الأقدام، ودخان كثيف يحجب الرؤية ويتسبب بحالات اختناق. استوديوهات القنوات الإخبارية لم تسلم هي الأخرى، إذ اضطرت القناة 12 إلى إخلاء استوديوهاتها أثناء البث المباشر. أجهزة الطوارئ رفعت التأهب للحد الأقصى، والمستشفيات تستعد لتدفق الضحايا، ما يعكس حالة شلل شبه كامل للبنية التحتية في مواجهة كارثة طبيعية بحجم غير مسبوق.

مفارقة الاستقلال:

في مشهد دراماتيكي يعكس عمق الأزمة، أعلنت بلدية القدس إلغاء جميع فعاليات يوم الاستقلال، لعدم قدرة الأجهزة الأمنية والطبية على تأمين الاحتفالات. بهذا يتحوّل "عيد الاستقلال" في ذاكرة الإسرائيليين هذا العام إلى يوم نجاة وقلق، وليس إلى يوم احتفال.

بين الطبيعة والسياسة:

رغم الطبيعة البيئية للكوارث، إلا أن هذا الحدث لا يخلو من أبعاد سياسية وأمنية: من جهة، اختبار لقدرة الدولة على إدارة الأزمات، ومن جهة أخرى، مناسبة لإعادة النظر في السياسات البيئية، والبنية التحتية، وتعامل أجهزة الأمن مع الأزمات المتعددة. كما يطرح تساؤلات حول مدى استعداد إسرائيل لكوارث مشابهة مستقبلاً، خاصة في ظل تصاعد التغيرات المناخية.

تشكل حرائق القدس حدثاً مفصلياً يكشف مدى هشاشة توازنات الدولة الإسرائيلية بين الطبيعة والإنسان، بين الأمن والسياسة، وبين الداخل والخارج. إنها لحظة صادمة قد تترك آثاراً طويلة الأمد على وعي المجتمع الإسرائيلي، وتعيد رسم أولويات الحكومة في ظل عالم يزداد احتراقاً وتقلّباً.