اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي

التصعيد الإسرائيلي في غزة: تعبئة احتياطية وسط جمود المفاوضات وتفاقم الأزمة الإنسانية

غزة
محمود المصري -

تشير المعطيات الميدانية والسياسية التي نشرتها صحيفة "هآرتس" إلى أن إسرائيل تستعد لمرحلة جديدة من التصعيد في قطاع غزة، وسط تعثر واضح في مفاوضات وقف إطلاق النار واستمرار حالة الجمود السياسي والدبلوماسي. ففي خطوة تعكس توجهًا تصعيديًا واضحًا، كشف الجيش الإسرائيلي عن خطط لاستدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، في إجراء يُعد الأكبر منذ بداية الحرب، ويُبرز حجم الاستنزاف الذي تعرضت له القوات النظامية طيلة الشهور الماضية.

1. تعبئة احتياطية جديدة وتدوير للقطاعات القتالية:

الاستدعاء الجديد يهدف إلى تبديل القوات النظامية المنهكة بقوات احتياطية تتولى المهام القتالية واللوجستية، بينما يجري نقل القوات النظامية إلى جبهات أكثر نشاطًا كجبهة غزة. هذا التبديل يؤكد أن إسرائيل لا تنوي تهدئة العمليات بل تمضي باتجاه توسيعها، لا سيما مع ورود معلومات بأن بعض جنود الاحتياط سيتوجهون أيضاً إلى سوريا ولبنان، في مؤشر على اتساع رقعة المواجهات الإقليمية المحتملة.

جدير بالذكر أن العديد من جنود الاحتياط قد خدموا بالفعل لفترات طويلة منذ بدء الحرب، وبعضهم تم استدعاؤهم ثلاث أو أربع مرات، مما زاد من مستويات الإرهاق النفسي والجسدي، وولد اعتراضات داخلية في صفوف الجيش، ظهرت على شكل رفض للمشاركة في جولات قتالية إضافية.

2. خيارات عسكرية متدرجة في غزة:

العرض المقدم إلى "الكابينت" الإسرائيلي يتضمن خططًا متدرجة، أبرزها إعادة احتلال مناطق كانت تُستخدم كمناطق آمنة إنسانيًا، كمنطقة "المواصي"، والتي تدّعي إسرائيل أنها أصبحت ملاذًا لعناصر من حماس. السيناريوهات المطروحة تشمل إخلاء هذه المنطقة، ونقل المدنيين إلى منطقة تل السلطان بعد إخضاعهم لفحوص أمنية صارمة، في خطوة قد تؤدي إلى مزيد من النزوح والمعاناة الإنسانية، في ظل ظروف مأساوية تعيشها غزة.

3. أزمة إنسانية خانقة وسياسة العقاب الجماعي:

في الوقت الذي ترفض فيه الحكومة الإسرائيلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، تواجه اتهامات دولية متصاعدة بانتهاك القانون الدولي، لا سيما أن الحصار المفروض منذ مارس منع إدخال أي إمدادات غذائية أو طبية لسكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، الذين يعيشون على ما تبقى من مساعدات توقفت مع انهيار وقف إطلاق النار في بداية العام.

رغم هذا التعنت السياسي، تشير تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى أنه لن يكون من الممكن مواصلة المنع الكامل للمساعدات، وأن ضغط المجتمع الدولي وتدهور الأوضاع الإنسانية سيضطر إسرائيل لتقديم تنازلات تكتيكية في هذا الملف.

4. ربط المساعدات بمصير الرهائن:

الموقف الإسرائيلي الثابت حاليًا هو ربط إدخال المساعدات بالإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى "حماس"، والبالغ عددهم 59، منهم 24 يُعتقد أنهم على قيد الحياة. هذا الربط يعكس تبني إسرائيل لسياسة العقاب الجماعي، ويضع المدنيين تحت ضغط مستمر كوسيلة لتحقيق أهداف أمنية وسياسية، وهو ما يثير انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي.

ما يجري حاليًا يعكس انتقال إسرائيل إلى مرحلة جديدة من الحرب الطويلة في غزة، تقوم على مزيج من التصعيد العسكري، والتضييق الإنساني، والتوظيف السياسي لقضية الرهائن. لكن في المقابل، تواجه إسرائيل تحديات داخلية متصاعدة أبرزها تآكل الروح القتالية في صفوف الجيش، وضغوط متزايدة من المجتمع الدولي، وتفاقم الأزمة الإنسانية التي تنذر بكارثة وشيكة. كل هذه العناصر تجعل المشهد مفتوحًا على احتمالات انفجار أكبر، ما لم تُستأنف المفاوضات السياسية في أسرع وقت.