اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي

مؤتمر بغداد للمياه يحدد مسارات للتغلب على التحديات المائية

أصبح مستقبل البشرية يعتمد بشكل رئيسي على حسن إدارة الموارد المائية وترشيد استهلاكها لأغراض الشرب والري والزراعة والصناعة، في ظل تحديات جمة، أبرزها التغيرات المناخية، حيث تشير الدراسات إلى زيادة الطلب على المياه بنسبة 50% عام 2040، في حين سيزيد الطلب على الطاقة في العام نفسه بنحو 25% فقط.


وفي هذا السياق، جاء انعقاد مؤتمر بغداد الدولي الرابع للمياه خلال الفترة من 27 إلى 29 أبريل، بمشاركة دول عربية وإقليمية تحت شعار "نحو مستقبل مائي أفضل: معا نستطيع"، كأحد المنابر المهمة لبحث أحدث الأساليب العلمية والمبتكرة للتعاون حول مستقبل المياه وحسن إدارتها، خصوصا في منطقتنا العربية.

ووفقا للأمم المتحدة، فإن أغلبية الدول العربية تعتمد على المياه الجوفية أو تحلية المياه؛ إذ لا توجد أنهار فيها سوى في خمس دول، هي: مصر، والسودان، وسوريا، والعراق، ولبنان.


وفي هذا الإطار، قال عون ذياب، وزير الموارد المائية العراقي، في افتتاح المؤتمر: إن العراق من أكثر البلدان تأثرا بالتغير المناخي، موضحا أن الحكومة العراقية اتخذت جملة إجراءات من شأنها التواصل مع دول الجوار حول ملف المياه.

مشددا على أن "مؤتمر بغداد الدولي للمياه" يهدف ليكون بوابة للتعاون المشترك بشأن المياه، في ظل تحديات محدودية الموارد المائية"، لافتا إلى الحاجة إلى الإسناد الدولي لدعم موقفه لمواجهة التحديات، عبر بناء جسور التعاون في إدارة الموارد المائية وفق مبادئ القانون الدولي، بغية تحقيق طموحات الشعوب المشتركة بالمجاري المائية المشتركة حاضرا ومستقبلا.

وتأمل بغداد من انعقاد المؤتمر الرابع أن يمثل فرصة كبيرة لمعالجة التحديات، في ظل حاجة العراق إلى إدارة رشيدة للمياه وفق القانون الدولي، وضرورة الاتفاق على وضع سياسات مائية مشتركة؛ إذ تسعى الحكومة العراقية لمعالجة ملف المياه بالتنسيق المشترك مع دول المنبع لنهري دجلة والفرات، وهما تركيا وإيران، مع الأخذ بالاعتبار تراجع نسبة هطول الأمطار خلال السنوات الأخيرة، مما ساهم في اتساع رقعة التصحر في البلاد.


من جانبها، دعت جامعة الدول العربية الدول المجاورة للعراق إلى زيادة حصته المائية، وقال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط: "إن هناك تحديات مشتركة تواجهها الدول العربية إجمالا في مجال المياه، فضلا عن تحديات خاصة تواجه بعض الدول بسبب جغرافيتها، لافتا إلى أن كثيرا من الدول العربية تعد دول مصب لأنهار عابرة للحدود، بما يجعل توزيع المياه والحفاظ عليها تحديا إقليميا مشتركا يستلزم التعاون والتنسيق".

وركزت أبرز محاور المؤتمر على المشاركة في إدارة الموارد المائية ودور الدبلوماسية، إضافة إلى التنمية المستدامة للموارد المائية لتحقيق الرخاء، والحفاظ على النظام البيئي، فضلا عن تحديات التغير المناخي، والابتكار في تعظيم الموارد المائية، ورغم أن العراق من أكثر الدول تعرضا للآثار الناتجة عن التغيرات المناخية، فإن قضية نقص المياه تتعدى العراق إلى محيطه الإقليمي والعالم العربي عموما، الذي يعاني هو الآخر من مشاكل إدارة المياه وقضايا التصحر والجفاف.


وتشير الأرقام إلى أن 50 مليون شخص في المنطقة العربية يفتقرون لمياه الشرب، و90 في المئة من السكان منهم يعيشون في بلدان نادرة المياه.


وفي هذا السياق، قالت شهيرة وهبي رئيسة قسم استدامة الموارد الطبيعية والشراكات والحد من مخاطر الكوارث بجامعة الدول العربية: "إن 19 من بين 22 دولة عربية تقع في نطاق شح المياه، وتحصل 21 من 22 دولة عربية على مواردها المائية الأساسية من مياه عابرة للحدود".


وكان المؤتمر الثالث للمياه الذي انعقد العام الماضي في بغداد، قد شهد مشاركة الأمم المتحدة التي قررت إنشاء فريق عمل للمياه يضم خبراء متخصصين من عدد من المنظمات الدولية والمراكز الفكرية، لتقديم المساعدة الفنية والمشورة للحكومة العراقية بشأن قضايا المياه، وإعداد خارطة طريق وطنية للمياه، وجعل إدارة الموارد المائية أولوية وطنية مع تخصيص الأموال الكافية للبحث والتحليل والابتكار ونقل التكنولوجيا الفعالة للإدارة المتكاملة للموارد المائية.

كما تقرر في مخرجات المؤتمر التعجيل بالاستثمار في بناء القدرات الوطنية والبنى التحتية للمياه بما في ذلك السدود وأنظمة الري ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، وتحقيق كفاءة استخدام المياه إلى أقصى حد، وتقديم تكنولوجيا الاقتصاد في استهلاك المياه وتنفيذ الأنظمة المتعلقة باستخدام المياه، وإعادة إحياء ممارسات تجميع مياه الامطار التقليدية مثل بناء أنظمة تجميع المياه لجمع وخزن مياه الأمطار لاستخدامها في المستقبل، فضلا عن إنشاء نظم لمراقبة مياه الأنهار والمياه الجوفية واتخاذ تدابير تنظيمية وتقنية وسلوكية لمكافحة تلوث المياه مع الاستثمار في إعادة تدوير المياه في المناطق الحضرية.


وبشأن التحديات على المستوى الإقليمي، تؤكد الجهود الدولية ضرورة وقف التدهور المائي، والتركيز على مكافحة التصحر من خلال إدارة متكاملة وقابلة للتكيف للأراضي والمياه والغابات، مع توسيع حملات التوعية لتعزيز الاستخدام المسؤول للمياه والمحافظة عليها، جنبا إلى جنب مع تعزيز التعاون الإقليمي لتطوير سياسات استخدام المياه العادلة والصديقة للبيئة.


كان مؤتمر الأمم المتحدة للمياه في نيويورك العام الماضي، قد أكد أن ملف المياه بالمنطقة العربية لا يسير على المسار الصحيح، وخلال الندوة التي حملت عنوان "الالتزام المشترك للمنطقة العربية لتسريع تحقيق الأمن المائي"، بحضور وزراء ومسؤولين وخبراء، قالت رولا عبد الله دشتي الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، "إن المياه في المنطقة العربية مصدر للازدهار، ولكنها أيضا سبب محتمل لعدم الاستقرار والصراع، فندرة المياه فيها تتعلق بالأمن المائي والغذائي، داعية إلى ضرورة الالتزام بـ"دبلوماسية المياه" بين الدول، عبر التعاون في مجال المياه عبر الحدود".


وجغرافيا، تقع المنطقة العربية ضمن حزام الأراضي القاحلة والجافة، وثمة خلل بين العرض والطلب على المياه في المنطقة، فمن حيث العرض يمثل متوسط نصيب الفرد من المياه نسبة 10% من المتوسط العالمي، كما أن جانب الطلب في تزايد مستمر، بسبب ارتفاع معدل الزيادة السكانية، الذي يبلغ 2 بالمئة سنويا، وهو ضعف معدل متوسط الزيادة السكانية على مستوى العالم.


وتقدر الإحصاءات الخاصة بالتقرير العربي الموحد لعام 2020، أن كميات المياه المتاحة في المنطقة العربية، تبلغ نحو 274 مليار متر مكعب من المياه السطحية، من الأنهار الداخلية، أو الأنهار المشتركة التي تأتي من خارج المنطقة، كما تقدر المياه المتاحة من المصادر الجوفية والتحلية بنحو 62 مليار متر مكعب، في حين تصل نسبة استغلال المياه المتجددة سنويا داخل المنطقة العربية لنحو 77 بالمئة.


وفي ضوء وضع الدول العربية من حيث التصنيف المائي، فهناك دولة واحدة فقط تتمتع بحالة اكتفاء ذاتي من بين الدول العربية، وهي موريتانيا، حيث تصل حصة الفرد السنوية من المياه لأكثر من 1700 متر مكعب، في حين هناك 4 دول تعيش حالة إجهاد مائي، وهي: العراق، والصومال، وجزر القمر، وجيبوتي، حيث تتراوح حصة الفرد السنوية من المياه بهذه الدول بين ألف متر مكعب و 1700 متر مكعب، و5 دول أخرى تعاني من ندرة المياه، وهي: لبنان، وسوريا، ومصر، والسودان، والمغرب، وتبلغ حصة الفرد السنوية من المياه لهذه الدول بين 500 متر مكعب إلى ألف متر مكعب.